الوحدة 9-2-2021
تستفيق الروح فجأة من إغفاءة عابرة فرضتها العذابات المتلاحقة والإرهاق الذي عشش في ثناياها حتى كادت تتهالك وتتفتت متشظية في مهب الرياح الآتية من المجهول!
تلملم أطرافها المهترئة وتعود إلى زاويتها الضيقة في الجسد لتعيد تشكيل قصة مللت تكرار تفصيلاتها وكلماتها وكل مقدماتها ونتائجها المعروفة مسبقاً إذ جعلت حياتك السابقة واللاحقة مجرد دائرة مفرغة تدور فيها ولا تعرف مخرجاً لأنك استسلمت لسلطة المحبة تعود تجرجر أذيال الخيبة بعد أن تشتت العمر واستفحل التعب في القلب والأطراف ولم تعد قادراً على المجادلات الفارغة حول أمور سطحية تعقد الحياة أكثر وتثير الشجون والحزن واليأس من أي تغيير عملي وتدفعك دفعاً إلى العزلة والاكتئاب وانتظار لحظة الراحة الأبدية غير آسف على شيء.
هي لوحة الحياة إذاً التي حاولت بكل طاقاتك وموهبتك في ابتكار الألوان أن تغير لونها الداكن الوحيد دون جدوى معتقداً أن عيون الآخرين لم تعد ترى سوى السواد العميق المؤطر بإطار رمادي باهت زاده الغبار المتراكم بشاعة وقدماً فيما تبقى أنت المتهم الرئيس لضحالة أطيافك اللونية.
هذه الصورة البائسة من صور الحياة لابد أن يمر بها كل كائن بشري ذكراً كان أم أنثى في مجمل العلاقات الإنسانية الثنائية التي تجمع طرفين وقد أكدتها العديد من الدراسات أبرزها دراسة (لماذا لا يسمع الرجال ولا تقرأ النساء الخرائط ؟)
حيث تنوه الدراسات إلى اختلاف طرق التربية في القرن العشرين من دون أن تأخذ في عين الاعتبار طبيعة الذكر والأنثى للمرة الأولى في التاريخ يربى الذكور والإناث بالطريقة نفسها حيث نعلمهم بأنهم متساوون في جوهرهم وقدراتهم وعندما يتزوجون يعرفون أن اختلافاتهم تساوي اختلاف الليل عن النهار ولهذا لا نستغرب أن نرى جيل اليوم يواجه مصاعب جمة في بناء العلاقات والزواج فكل نظام يستند على التساوي إنما يقف على تربية هشة لأنه لا يمكننا أن نطلب أوجه سلوك متماثلة من بنيات دماغية متغايرة ومن الصعب أحياناً فهم لماذا وحد الذكر والأنثى في نمطين متنافرين ولكن من المؤكد أن البيولوجيا لا يمكنها أن تتغير وتتكيف مع حياتنا اليوم بالسرعة نفسها.
الناحية الإيجابية هنا هي أن فهمنا لتاريخ التطور البشري وإدراكنا للاختلافات الجذرية بين الذكر والأنثى سيمكناننا من التعايش مع تلك الاختلافات بسهولة أكبر لا بل سيعلماننا كيف نقدرها ونعيش من خلالها حياة أفضل فالذكور ينزعون إلى السلطة والنجاح والإناث ينزعن إلى العلاقات والاستقرار والحب ومن يضع تلك الأمور موضع استغراب كمن يتعجب من أن السماء تمطر فالمطر آتِ شئنا أم أبينا وإدراك المرء أن النطر سيهطل قريباً يمكنه من أخذ احتياطاته وحمل مظلة وبذلك يتفادى مشكلة قابلة للوقوع وكذلك العلاقات فإنها تفرز إشكاليات يمكن توقعها إذا كانت ناجحة عن الاختلاف بين الجنسين ويمكن تجنب نتائجها وهنا يبرز السؤال الأهم: من يستطيع تطبيق هذه المعارف والمعايير والحقائق في الحياة اليومية أعتقد جازمة أن لا أحد قادراً على ذلك حتى الآن ولو قيض لأي اثنين هذه الإمكانيات لانتفت منغصات الحياة.