دروس خصوصية للصغار أيضاً تحملها كرة الهموم اليومية

الوحدة 2-2-2021

 

كرة الهموم والأعباء المعيشية يزداد حجمها بأحمال وأثقال على الأكتاف, ولم يكن ينقصها غير الدروس الخصوصية لطلاب المرحلة الأولى والروضات, والوالدان يحتجان بالوقت والانشغال بأعمالهم وحتى ضيق الأنفاس والمزاج ليتركوا أولادهم بين أيدي مدرسين غير اختصاصيين ولا دارسين ولو دفعوا بالآلاف, ويكون الطلاب جمعاً وفرادى ملزمين بها وغير راغبين في مغيب الشمس وحلول الظلام, وعلى الطرقات منشورون ومبعثرون كأوراق الخريف, ليلحقوا بدرسهم الموزون بالثواني ولا يتعدى الساعة إلا من في قلبه وجدان, رضينا بأمر طلاب الشهادات ليكون منها مستقبلهم، لكن ما الأسباب التي تدفع الأهل لرمي أولادهم الصغار في مهبّ ريح الطرقات  في ليل شتاء وهم يحملون مراتب وشهادات؟

أم علاء سلهب : كلنا يعلم  أن طلاب الشهادات يغيبون عن المدرسة ليلحقوا بالدروس الخصوصية, والمعلمون كذلك أيضاً, لتنتقل صفوفهم إلى بيوت ومعاهد خاصة بفواتير وأجور يكيلها كل أستاذ حسب مهارته, حتى الذي لم يتخرج من جامعته يعطي دروساً خصوصية لمجموعات من الطلاب الصغار ليغطي نفقاته ورضينا بالأمر لينال أولادنا أعلى المراتب, ولا نعلم كيف رمانا الزمان لهذا الهلاك كلنا نريدهم أطباء, وأشعر بالظلم والإهانة إن كان ابن الجيران أفضل من ولدي ليكون عند ذاك الأستاذ المشهور وإن لم أكن أغنى وأيسر حالاً خاصة أنني أسكن في قريتي وكل منهم ينعت نفسه بعراقة عائلته وأصوله (ابن باشا) ولا أرى أنهم أفضل مني ولو كان أهلي من ذوي العائلات المستورة, كما أن لا وقت عندي لتدريسه مع أني أحمل إجازة بالهندسة, ومن المعيب أن يكون أقل منا أنا ووالده الطبيب, ولأجله نعمل ليل نهار لنعد له الألوف والعشرات منها , ولما لا المهم أن يكون طبيباً مثل والده ولن أرضى بغير ذلك .لو دفعت كل حيلتي وكلفني كل مدخراتي فهو وحيدي .

أم حاتم _ تحمل إجازة في العلوم وغير موظفة تقول : لا وقت لدي ولا طول بال لتدريس الأولاد والحال مستورة لكن معاناتي تأتي من عدم توفر المعلمين الذين لديهم مجموعات وأعداد كبيرة حول بنايتنا, لدي ولدان (رابع وخامس) بالدروس الخصوصية ومعلمتهم بعيدة عن بيتنا لهذا واجب علي أن أمسك بأيديهما وأخذهما لبيتها بنفسي عند المساء, حيث أجد عشرات الأحذية عند عتبة البيت الذي اكتظ بالأولاد, ولطالما رجوتها أن تقدم الوقت ليأتيا إليها باكراً وتعفيني من المعاناة, لكنها رفضت بحجة الأولاد الآخرين وقد تأخرت في طلبي وكان غيرهما السباقين, لقد تعبت وأنا أرافقهما كل يوم إن كان برداً أو ثلجاً مجبرة أنا على القيام بذلك أخاف عليهما من الطريق ومدخل البناية مخيف فهي ما زالت قيد التنفيذ وفيها عمال بناء غرباء عن القرية, كما أن معلم الصف لم يعد يعطي الدرس باهتمام, ويعلم علم اليقين أن هناك مدرّساً خصوصياً سيتمم عنه الدرس ويقوم بإكمال الواجبات, ولا أعلم لما المدارس مفتوحة كنا نظن أن التعليم مجاني وإذ به اليوم بأثمان وأوراق تتجاوز (أم الطربوش ) بعشرات المرات وكل ساعة خصوصية 500ليرة .

سارة جمل _ إجازة بالحقوق وغير موظفة لكن لا وقت لديها لتدريس ابنتها بالصف الثاني وتشعر بالضيق والتوتر إن حاولت وتقول : ابنتي الصغيرة تذهب لوحدها عند السابعة مساء لبيت معلمتها, وأنا أخاف عليها لدي طفل بعمر السنة وشهر لا أستطيع تركه بالبيت لوحده ولا أخذه في البرد لنوصلها, وعلى هذا مرة يوصلها والدها ويترك دكانه ومرة خالتها عندما تأتي لزيارتنا ومرة أنا عندما يكون الصغير نائماً وأجد في ذلك مظلمة ولطالما رجوت المعلمة أن تأتي إلينا أو تبكر في درس ابنتي والليل شتاء فترد بأنها مشغولة طوال النهار بطلاب غيرها حيث كل طلاب صفها انتقلوا لبيتها دون مقاعد فإن لم يكونوا عندها فلن يكون لهم فرصة في علامة جيدة في مادتها, كما أنها لا تستطيع ترك البيت لأجل ولدها الصغير الذي يتطلب منها الجلوس بجانبه والذي يلهيها معظم الوقت الذي يحسب من ساعة الدرس, كما أني حين أردت أن أعرف مستواها وماذا تعطيها في الدرس اتضح لي أنها تستخدم النت لتعرف الجواب لكل سؤال وتلصقه على الدفتر دون حساب وشرح الطريقة التي وصلت إليه وابنتي يتراجع مستواها ولا تتقدم وعندما سألت معلمتها الأسباب ردت بصوت جارح : كسولة ولا يهمني, وقتها قلت في نفسي سأبحث عن غيرها, لكن للأسف لم أجد معلمة قريبة منا وجميعهن لديهن المزيد من الطلاب وكل ساعة مجموعة .

 ندى موظفة بالفرن الآلي_ تقول بكل ارتياح وكأن تدريس ولديها همّ وانزاح عن قلبها :  ابنة جارتي تعطي دروساً خصوصية وليس معها شهادة غير البكالوريا , هي ليست دروساً بقدر أنها (تسميع) تحفظهم دروسهم كالببغاء لحين عودتي من وظيفتي, وأقول في نفسي جيد ولو لم يكن لديها اختصاص فأولادي لا زالوا صغاراً, صف أول وروضة, ولا يحتاجون لغير بعض الاهتمام وهي فتاة تربيتها صالحة وتريد عملاً يرفع من شانها بين رفيقاتها الجامعيات, ولا تطلب إلا القليل 300ليرة على الساعة فكنت أول الواصلين إليها وبهذا ضمنت حفظهم لدروسهم كما ضمنت جلوسهم عندها بعض الوقت فلا أكون مشغولة البال عليهم وينقضي النهار لأكون بين أيديهم في البيت .

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار