الوحدة 19-1-2021
التحرش، وللكلمة إيقاع سيئ في مسامعنا لا نريد تصديقه، لكن الواقع فرض ومازال يفرض علينا ألا نختبئ خلف إبهامنا ونواجه المشكلة.
التحرش سواء أكان اضطراباً سلوكياً أم مرضاً نفسياً، هو نوع من أنواع الشذوذ والخروج عن المألوف وهو جريمة يغيب فيها الضمير الإنساني والرادع الأخلاقي.
ولعل الأخطر في هذا الموضوع هو بقاء المجتمع بأفراده وأسره عاجزاً عن بناء الأفكار ومناقشتها لأسباب كثيرة كالخجل أو الخوف من الفضيحة لتبقى ظاهرة التحرش في سراديبها المغلقة بعيدة عن مبدأ إن أردنا حلاً لمشكلة ما فعلينا الاعتراف بها، وللتحرش أنواع وأكثرها سوءاً التحرش بالأطفال لتبدأ أسئلة، أجوبتها أن نحدد بدقة معنى هذه العبارة، فالكلام بطريقة بذيئة أو جنسية أمام الطفل وعرض صور إباحية ولمس أو تصوير الأعضاء الجنسية للطفل كلها من أشكال التحرش وصولاً للاغتصاب وما يتركه من آثار سلبية نفسية وجسدية وعاطفية واجتماعية.
المؤلم أن الإحصائيات أشارت إلى أن نسبة عالية من المتحرشين كانوا من الأقارب أو المعارف، فكيف لنا أن نحمي أطفالنا وما الذي يجب علينا أن نعلّمهم إياه”
يجب تعليمهم الصراحة وعدم الخوف والثقة مما يمنح الطفل القدرة على إيقاف الأمر في حال وقوعه أو الإبلاغ عما حدث دون خوف من الفضيحة أو عقاب الأهل.
ونظراً لأهمية هذا الموضوع الكبيرة آثرنا أن نتحدّث عنه، فقد حان الوقت لنرفع من وعينا للتصدي لهذه الجريمة والظاهرة الخطيرة، ونشر كل ما يتعلق بها لحماية أطفالنا وأطفال العالم من كل ما يمكن أن يدمّرهم أو يمس بمستقبلهم.
التقينا المرشدة النفسية نادين الخطيب لنتحدث عن التحرش الجنسي بالأطفال، بدأت قائلة: يعد التحرش الجنسي بالأطفال (pedophilia) من المصطلحات التي انتشرت مؤخراً بشكل كبير رغم بقائها طي الكتمان فترة طويلة، كونه يعتبر من أكثر المواضيع خطورة وحساسية ويتم على فئة ليست على دراية ووعي تامين ولا تملك وسائل الدفاع عن نفسها مما يهدد سلامها النفسي ويضع مستقبلها على المحك بكل ما فيه وإن كانت هذه الظاهرة قديمة فهي ولا شك تزداد انتشاراً وخطورة في البيئات غير الآمنة (الحروب والنزاعات) والفقيرة التي تكثر فيها عمالة الأطفال ويسهل بالتالي استغلالهم كونهم غير خاضعين للرقابة أو الحماية وتأتي خطورة هذه الظاهرة من كونها لا تتوقف على العمر أو الجنس فكلا الجنسين ذكوراً وإناثاً معرّض للاعتداء، وهنا تصبح مهمة الأسرة والمربين في الوقت الحاضر بالغة الأهمية لتعليم وتوعية الطفل بالدرجة الأولى لحماية نفسه والإبلاغ عن أي تصرف مسيء أو غير لائق من قبل الآخرين ولا يكون بتجاهل حقيقة وجود هذه المشكلة والتكتم عليها، وقد عرّفت منظمة الصحة العالمية التحرش الجنسي بالأطفال بأنه إشراك الطفل بنشاط جنسي لا يفهمه أو استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق أو بين قاصرين الفرق بينهما فوق خمس سنوات وكما هو معروف فإن أي شخص تحت 18يعد قاصراً وهو شكل من أشكال الاعتداء على الأطفال من قبل البالغين لإشراكهم في أنشطة جنسية سواء بالطلب أو الإجبار والتهديد، ويمكن أن يحدث التحرش في كثير من الأماكن كالبيت أو المدرسة أو الشارع وقدرّت عالمياً نسبة انتشار التحرش الجنسي بالأطفال بحوالي 19,7للإناث و7,9 للذكور كما أن فتاة من كل 3فتيات تعرضن للاعتداء وذكر من كل 5ذكور تعرض للتحرش قبل سن الثامنة كما أن 90% من حالات التحرش تكون في الدائرة القريبة للطفل (أقارب الطفل أو جيرانه أو المربين أو أصدقاء الأسرة).
أما أسباب التحرش الجنسي بالأطفال فأشارت المرشدة نادين إلى أن غياب رقابة الأهل وإهمالهم لأطفالهم من أهم أسباب وقوع حوادث الاعتداء الجنسي بالإضافة إلى ترك مسؤولية تربيتهم للآخرين والثقة الزائدة ببعض المقربين، إضافة إلى غياب جو الحوار والثقة والتواصل بين الأبناء والأهل وتجاهل الأهل ضرورة تثقيف أبنائهم حول أجسادهم وضرورة وضع حدود وقواعد لطريقة تعامل الآخرين معهم، ويكون خوف الأسرة من الإبلاغ عن المتحرش بسبب وصمة العار وانعدام الوعي المجتمعي سبباً في تمادي المتحرش الذي يضمن سكوت الأهل خوفاً من الفضيحة كما أن عدم ممارسة الأسرة دورها الرقابي على أنشطة أطفالهم وأصدقائهم أو أماكن عملهم وخروجهم ساهم في غياب الطفل والتعامل مع غرباء والتعرض لخبرات ومعلومات ومواقف خطيرة لا يدري عنها الأهل شيئاً وللتحرش أشكال عدة وهو لا يتطلب اتصالاً جسدياً كاملاً بين المتحرش والطفل كما قالت المرشدة نادين وتتجلى أشكاله: ١- التحرش البصري: يكون عن طريق إطالة النظر إلى الأعضاء الجنسية للطفل ومشاركته صور وفيديوهات ذات محتوى إباحي بشكل مباشر أو عن طريق الأنترنت.
٢- تحرش لفظي: وذلك بالعبارات والمصطلحات الجنسية الصريحة وغير الصريحة كإلقاء النكات الجنسية أمام الطفل.
٣- تحرش جسدي أو (باللمس): ويقصد به لمس الأعضاء التناسلية للطفل والتحسس الجسدي وصولاً إلى الاعتداء والاغتصاب.
وعن كيفية حماية الطفل من التحرش الجنسي سألناها، فأجابت: كما يقال دائماً الوقاية خير من العلاج وإتباع أساليب التوعية والحماية والاحتضان الأسري يساهم في التصدي لهذه الجريمة والتقليل من ضحايا التحرش من الأطفال وذلك ممكن من خلال حماية الطفل من التحرش مهمة الأسرة بالدرجة الأولى، فالطفل الذي يتعرض للتحرش هو طفل على الأغلب يفتقد للتربية الجنسية ويسهل إيذاؤه لقلة وعيه ولذلك فإن على الأهل تعريف الطفل بأجزاء جسمه وأن جسده ملكه وحده لا يحق لأحد لمسه وأن يميز بين اللمسة المسموحة وغير المسموحة والإجابة على أسئلته المحرجة بطريقة مقنعة ومنطقية وبحسب عمره بالإضافة إلى التطرق إلى العلاقات السليمة والقيم والسلوك المقبول وعلى الأهل إحاطة الطفل بجو من الحب والحنان والتقبل والأمان للإفصاح عن أي مشكلة تواجههم واللجوء للأهل بدلاً من الخوف والتكتم وأن يترك الأهل للأطفال مساحة خاصة للتصرف والثقة فلا يجبر على احتضان أو تقبيل من لا يرغب أو مجاملة الآخرين وأن يتعلم قول (لا) لهم، إضافة إلى رقابة الأهل على أنشطة الطفل والتعرف على رفاقه وأماكن لعبه ونشاطه على الانترنت وتصحيح المفاهيم الخاطئة أو غير الدقيقة وتوضيحها وأن يعلم الأهل الطفل أحد أنواع الرياضات الدفاعية حتى يتعلم كيف يحمي نفسه بحركات بسيطة وإلا يكون ضعيفاً.
أما في حال وقع المحظور وتعرض الطفل للتحرش فإن على الأهل التزام الهدوء والاستماع لتفاصيل القصة بعد تطمين الطفل وتهدئته وتشجيعه لأنه قام بهذه الخطوة الشجاعة ثم عرض الطفل على طبيب أطفال لاستكشاف وجود أي أذية جسمية وعرض الطفل على طبيب نفسي في حال مرور الطفل بخبرة نفسية مؤلمة أو صادمة يصعب تجاوز نتائجها دون مساعدة أخصائي والإبلاغ عن المتحرش المعتدي لينال عقابه وإبلاغ الطفل بذلك حتى يتخلص من مشاعر الذنب.
أما آثار التحرش الجنسي على الأطفال فتبدو كما يلي: في حال تعرض الطفل لهذه الخبرة الصادمة قد ينعكس هذا ويؤثر على مختلف مراحل حياته ويعرض مستقبله للخطر مالم يتم تدارك الأمر ومحاولة علاجه ويختبر الطفل مجموعة من الآثار النفسية كنتيجة لتعرضه للتحرش فهو يشعر بـ:
١- قلة الثقة بنفسه وبالآخرين.
٢- انعدام الأمن النفسي والاكتئاب والقلق.
٣- اضطرابات النوم.
٤- قد يلجأ إلى العنف ضد الأطفال الآخرين وإيذاء الذات في كثير من الأحيان بشكل مضطرد مع حجم الأذية التي تعرض لها.
٥.- خوف مستمر وعدم مبرر ونوبات غضب.
٦- نقص في الانتباه والتركيز وتأخر النطق.
٧ – تدهور دراسي مفاجئ.
لذلك على الأهل أن يكونوا واعين للتغيرات المزاجية والتغيرات التي تطرأ على عادات أطفالهم كونها علامات إنذار وتحذير أن طفلهم يتعرض لمعاملة سيئة وأنه ليس على ما يرام، فالتحرش الجنسي بالأطفال من أخطر الانحرافات التي ممكن أن يتعرض لها الطفل نظراً لما تخلفه من آثار سلبية نفسية وجسدية، كما أن معظم الأطفال والأسر لا يبلغون عن حالات الاعتداء خوفاً من نظرة المجتمع وضعف الوعي مما يساهم في تزايد هذه الحالات، وبرأيي كمرشدة نفسية فنحن بحاجة إلى بناء ثقافة أسرية ومجتمعية واعية لخطورة التكتم عن هكذا موضوع وهذه الثقافة داعمة للضحية ومشجعة على الإفصاح والإبلاغ عن هكذا حالات عن طريق حملات التوعية والمبادرات المجتمعية وتدعيمها بتزويد الطفل بثقافة جنسية متوازنة ومتناسبة من قبل الأهل وعن طريق إدخال مادة الثقافة الجنسية في المنهاج الدراسي كمادة تثقيفية بشكل يتوافق مع كل مرحلة عمرية فالمتحرش لا يمكن أن يتمادى إذا رأى طفلاً واثقاً من نفسه متصلاً مع أسرته، معتاداً على التعبير عن مشاعره، فنحن كمربين وأهل يقع على عاتقنا توفير بيئة أسرية ومدرسية محبة ومتعاونة تلبي حاجات الطفل وتمنحه الإشباع العاطفي بالإضافة إلى تزويد المدارس بمرشدين نفسيين واجتماعيين مؤهلين للاستجابة للاحتياجات النفسية للطلاب والتعامل مع مشكلاتهم وبناء جسر من الثقة مع الأهل يعبر من خلاله الطفل مراحله العمرية بسلام وبأقل الأضرار.
نرجس وطفة