الموعظة لا تخاطب القلب والعقل لا سيطرة له على القلب

الوحدة: 4- 1- 2021

 

صوت خفي يتردد في داخل كل إنسان منَّا يحدثه ويتحدث معه ويستمع إليه من دون إذن فهو صوت تسمعه الذات وتنطقه الذات . ولكن كيف تتحدث الذات إلى ذاتها؟!

ولِمَ أصدق الأصوات دائماً هو أقلها نبرة حتى إذا وصلنا إلى قمة الصدق كانت الكلمات من دون مخارج حروف وكانت الحروف أدق من أن تنطق ولم يعد للشفاه ارتعاشاتها خوفاً أو خجلاً؟!

ومن منّا لم يسمع أصداء ذاته وهي تتحدث إليه حين تلم الملمات وتقع الوقائع وتقلب الأيام صفحات وجهها عن الألوان الداكنة والسوداء والرمادية فإذا بمن كانوا الأقرب إلى القلب هم الأبعدون وإذا بمن كانوا الأبعدين هم توءم الروح وإذا بالصوت الهامس والغارق في بحر الأسئلة منجرف في تيار متقلب بين أخذ ورد وإذا بوجه الحقيقة يتكشف إما عن وجه ذئبةٍ توغل بأنيابها وتمزق بمخالبها القلب الذي ركن إليها وتزهق الروح التي طالما رفرفت حولها وإما عن وجه شيطانة لا تلبث أن تطلق من محاجرها نار الشر المنبعثة من جحيم روح الحقيقة المرة … وإذا بالصوت المحذر بقرع أجراس الخطر بعد أن كان يحذر من الخادعة ويكشف زيف الكاذبة.

ولكن النفس البشرية دائمة الإعراض عن الحق إذا أحبّت الباطل وشديدة التعلق بالعاطفة ولو انفجر العقل ألماً وحسرة وأي صوت قد يفيد بعد السقوط خاصة لمن لم يعتد السقوط ولم يعرف طوال حياته سوى أن يقف شامخاً منتصباً مهما كانت شدة الريح وهوج الإعصار وبين هؤلاء الواقفين شموخاً ولحظات السقوط كما بين المشرقين إلا أن يقف القلب في منتصف الطريق.

وللقلب دائماً حساباته المغرقة في الخطأ إلى درجة تبعث على الدهشة ولكنه الطفل المدلل الذي لا نرد له طلباً مهما تعسر ولا نعصي له أمراً مهما تمادى وهو يفتأ يتمادى حتى يوصل صاحبه إلى حافة النهاية ومن وصل إلى الحافة عليه أن يتوقع الوقوع فيها إما عاجلاً وإما آجلاً إلا إذا حدثت معجزة تحول دون ذلك.

ولو سألت جميع الواقعين في الهاوية لوجدت العاطفة هي التي دفعتهم إليها ثم أكملت معروفها ودفعتهم فيها ولا عظة لواعظ مع هؤلاء لأن الموعظة لا تخاطب القلب بل العقل والعقل لا سيطرة له على القلب.

ومهما انطلق الصوت الداخلي فينا فإنه لا حياة لمن تنادي  ولن يبقى للصوت القابع في الأعماق سوى حل واحد هو أن يبكي ويستمر في البكاء إلى آخر العمر.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار