الوحدة: 4- 1- 2021
ومرت رأس السنة بسلام ولم يكن فيها ما يشبه من تلك الأعوام العامرة باللمات والمسرات, وكنا قد حضرنا لها (كل شي من قريبو) لتسكت الزوجة والأولاد الذين سهروا لوحدهم في البيت دون صديق أو قريب أو حتى أجداد, ورمينا وراء ظهر السنة هموماً وأثقالاً لنعاود حملها من جديد.
كم ضحكنا لما قال عادل إمام لأستاذه (كل ما تنزنق اقلع) ويفرح أستاذه ويسرع ليخفف عنه اللباس, ونحن من كثرة (الزنقات) نبكي وننوح ونبوح لكل من نلاقيه ونتعرّى أمامه فملابسنا تخنقنا بعد أن ضاقت بنا الدنيا بأنفاس, ونقول له (يا حرام) (وكلنا بالهوى سوى) غلاء وبلاء ومصائب كورونا وأوجاع, ودروس خصوصية للأولاد وطلبات لا تنتهي للزوجة ومدبرات البيت وكر وفر وراء جزرة حمار من الصباح وحتى حلول الظلام ويأتي فاضي اليدين بعد جمع وحساب، فالفواتير لا تنتهي والوقوف بالطوابير إكراهاً يشغله طوال النهار فلا دوام أو وظيفة في كورونا حتى يكاد يخرج التصفير من خرم أذنيه, ليخرج بجدارة حاملاً كأس الفوز ممزق القميص من ال(الطحشة والتدفيش.. برغيف عيش أو سكر ورز أو جرة غاز أو قنينة مازوت أو. .أو..)، وهناك الكثير من الأوجاع وقد يخيّب الرجاء بانتهاء المواد فيرجع خائباً بلا بضاعة أو أحمال سوى أوزار هذا الزمان، التي أفرغت البراد ولم يعد بحاجة له سوى لقناني الماء في الصيف وبعض رغيف الخبز, وتوسوس نفسه أن يبيعه ليسدد الفواتير والأقساط التي تراكمت عليه لأشهر أو سنين (كهرباء, مياه, تليفون, عقاري أو تسليف.. وغيرها الدكاكين..) ولم يعد الموت يخشاه فكل يوم يسمع بموت صديق أو قريب فلان أصابته الجلطة أو (نام ما فاق) وهو في عز الشباب, ويتساءلون كيف ولماذا وقف قلبه ؟ يا أخي البارحة رأيته وكان يحاكي نفسه ويضرب كفيه أخماساً بأخماس عابس الوجه وأصفر اللون, سألته (من شو مدايق حبيبي) فردّ بغضب: من كل شيء و(عازز علي النوم ) فقلت له: عاشق أنت؟ فضحك وقال: آه من هذا الزمان, ومن ستنظر إلي؟ جميعهم سينظرون لجيبك ومحفظتك من زوجتك لأولادك للسمان وسائق السرفيس الذي يصيح بك كالديك (الأجرة عمي 100 ليرة بشقفة واحدة وما معي فراطة, إن كان معك ناولني) بلاوي هذا الدهر كثيرة وكبيرة وكلها فوق رأسي ولا أقدر أن أخلص منها, وكل شهر أقول يهون وستفرج في الشهر الذي بعده, والعمر يمضي.. وها قد مضى في سبيله أبو بشار ومات وسكت عن الكلام المباح, وأظن أن حاله انفرجت وخلص من الهموم و(الزنقات.. نيالو ارتاح) رحمه الله والجنة مثواه على طول صبره وجبروته.
هدى سلوم