أنواع جديدة من العواطف!

الوحدة 23-12-2020

 منذ نصف قرن كان النشاط الغرامي للمراهقين والمراهقات يبدأ بالتطلع إلى ما وراء نوافذ الجيران ،وهي ظاهرة قديمة في طريقها إلى الاندثار ومعها كل ما يتعلق بها من الأغاني والقصص وقصائد الشعر فقد تغيّرت القيود والتقاليد الاجتماعية التي كانت تفرض على المراهقين من الجنسين قدراً كبيراً من العزلة والتي انتهت بما نعرفه اليوم من اختلاط في أماكن العمل والنوادي الرياضية والمراكز التجارية وأماكن اللهو وغيرها ما يسمح للمراهقين من الجنسين بمساحة أوسع من حرية الاختيار والمقارنة بعدما كان من الصعب على الفتاة في الماضي أن ترى غير شاب من أقربائها يزور بيتها بصحبة أبوية أو ابن الجيران الذي تراه من نافذة غرفتها واقفاً منذ ساعات بانتظار أن تفتح شباكها.

 وكان الحبّ في تلك الأيام رومانسياً إلى درجة غير معقولة فالشاب كان يعشق بنت الجيران لمجرد أنها أنثى في سن مناسبة وكانت الفتاة تحبّ ابن الجيران لأنه في سن مناسبة وليس من المستبعد أن يكتب أحدهما قصائد شعر في الآخر يصفه بأجمل الصفات ويخلع عليه ما ليس فيه من مزايا لا يعرف ما إذا كانت موجودة أصلاً أو أن الميول الأدبية لدى عشاق الزمن الماضي  كانت تدفعهم إلى التعبير عن عواطفهم الجياشة حتى وإن كان الكثيرون منهم لا يتمتعون بأية ميول أدبية وكانوا يلجؤون إلى الاستعانة بكتب الرسائل الغرامية الرخيصة الثمن ينقلون منها ما تيسر من الكلمات التي لها مفعول السحر في نفوس بنات تلك الأيام.

 ولم يكن المراهقون منذ نصف قرن يترددون على المراكز التجارية لأن تلك المراكز لم تكن موجودة أصلاً ولم يعرفوا الموبايلات والرسائل النصية التي يتبادلها شباب هذه الأيام عبر شاشات القنوات الفضائية حيث لم تكن هناك هواتف من هذا النوع ولم يكن من الشائع الحديث عن ضرورة اتفاق الميول والأمزجة بين الشاب والفتاة والإصرار على شروط التوافق في المستوى الثقافي والاجتماعي حيث لم تكن الفوارق الاجتماعية قد اتسعت على النحو الذي أصبحت عليه الآن بين طبقات المجتمع ولذلك كان الحديث عن اختلاف الميول بين المرأة والرجل لا يختلف عملياً عن الحديث عن الاختلاف بين هذا وهذا.

 وقد تدخلت الهندسة المعمارية الحديثة في القضاء على ذلك النوع القديم من العلاقات الغرامية بين أبناء وبنات الجيران بعدما أصبح الناس يعيشون في بيوت فاخرة أو فيلات ذات أسوار أو في عمارات وأبراج متعددة الطوابق ولا يعرفون بعضهم بعضاً ولا يتبادلون التحيات والزيارات فاختفت تلك العلاقات الرومانسية بين الشبان والفتيات وصارت من التراث.

 وهكذا فإن تخطيط المدن الحديثة قضى على علاقات المودة بين الجيران فلم تعد البيوت متقاربة كما كانت في الماضي حيث كان يسهل تبادل الحديث الهامس وتقاذف الرسائل الغرامية في بعض الأحيان وأدى توسيع الشوارع إلى ابتعاد مجالات الرؤية بين الجيران بحيث أصبح من الصعب على الشاب أن يميز ملامح جارته إلا باستخدام النظارة المكبرة مع استحالة تبادل الحديث ولو بالصراخ الذي لا يليق بالأجواء الرومانسية المفترضة في أحاديث العشاق والمحبين.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار