في ظل (الهجرات الاقتصادية) هل تعوض الأمهات غياب الآباء؟

الوحدة 18-11-2020 

 

 نعيش اليوم في عصر استهلاكي تتزايد متطلباته وتتزايد معها حاجات الأسرة ما يدفع الآباء في ظل الظروف المعيشية الصعبة إلى السفر خارج الوطن بحثاً عن لقمة العيش وتوفير حياة هانئة أفضل للأسرة… والسؤال ما النتائج المترتبة على غياب الأب على مستوى الأسرة ككل؟ وهل تستطيع الأم بمفردها سد هذا الفراغ؟ وما انعكاسات ذلك على الأبناء وعلى الزوجة؟ وهل هناك حل لتعويض هذا الغياب أو التقليل من انعكاساته السلبية؟ لا سيما وأن التربية أصبحت مسألة صعبة بالغة التعقيد نتيجة  الانفتاح على مختلف الثقافات المتنوعة..

 بعض الزوجات اللواتي عشن تجربة غياب الزوج والأب لسنوات طويلة ومع أنهن استطعن بالصبر والإرادة والوعي الصمود بقوة إلا أن التحديات كانت كبيرة جداً أما منهن  فليس بالأمر اليسير أن تأخذ الزوجة دور الأم والأب معاً لأن الأب يعني الأمان للأسرة فهو كالسد المنيع يحميها من كل المصاعب لذلك في غياب الأب يترتب على الأم مسؤولية كبيرة جداً ما يجعلها في حالة استنفار دائم لمراقبة سلوك أولادها داخل المنزل وخارجه ومتابعتهم دراسياً ونفسياً وجسدياً وتأمين حاجاتهم المتنوعة ما قد ينعكس سلباً على حالة الأم الجسدية والنفسية فتبدو عصبية وانفعالية في المواقف التي تحتملها فوق طاقتها، كما أن تواصل الأب الغائب مع أسرته عبر الهاتف أو وسائل الاتصال غير كاف لذلك لا بد أن يكون الأب موجوداً مع أسرته لمتابعة نموهم الفكري والنفسي لأن شخصية الطفل لا تنمو بشكل سليم ومتوازن إلا عندما يتربى على يد الأم والأب في آن واحد.

 والأنكى من ذلك أن بعض الأسر لم تحقق نقلة مادية جيدة عبر سفر الأب وغيابه وهو الهدف المنشود من ذلك الغياب فكانت خسارتها خسارتين فلم تتحسن معيشتهم وغاب التأثير النفسي والاجتماعي للأب.

 وهناك نموذج للزوج الغائب فهو لم يستطع توفير كل ما تطلبه العائلة لا سيما وأنه صرف أموالاً باهظة لحصوله على الإقامة التي لا تمنح إلا بعد مضي عدة سنوات الأمر الذي حال دون عودته إلى الوطن إضافة إلى تكاليف السفر الباهظة وبالطبع ثمن الغياب كان باهظاً عليه وعلى أولاده وزوجته التي أصبحت الراعي الأول والوحيد لكافة قضايا الأسرة التربوية والاجتماعية والمعيشية ما جعلها تتفرغ كلياً لها متناسية نفسها ولاغية نشاطاتها الاجتماعية والثقافية  والترفيهية في سبيل رعاية أولادها وخاصة في مرحلة المراهقة وتشعر بأنها كالطير المذبوح غير قادر على إنقاذ نفسه وسط مجتمع تكثر فيه الأقاويل والثرثرة فكثيراً ما تفتقد زوجها وحمايته وعطفه ولا يمكن لأحد أن يعوضها عنه.

 الضريبة باهظة جداً

 وفي أحيان كثيرة قد لا يكون البحث عن لقمة العيش ما يدفع الآباء للسفر وإنما لأسباب أخرى تخص كل فرد إما حباً بالمغامرة واكتشاف الجديد أو تحقيقاً لطموحات لا يمكن تحقيقها في الوطن ولكن بالتأكيد الضريبة ستكون باهظة جداً وعلى كافة المستويات مال الدنيا كلها لا يعادل لحظة الاستقرار وجمع الشمل والأم وحدها لن تستطيع مهما امتلكت من طاقات سد الفراغ كلياً فالحنان والعاطفة والرعاية من مهامها والنظام والحزم والسلطة من مهام الأب وبالتالي مهما كانت سلطة الأم فلن تعادل سلطة الأب لطغيان عاطفتها على عقلها ومن دون هذا التكامل بالأدوار ربما تكون النتيجة ضياع الأبناء إذا لم تكن الأم على قدر كبير من الاستعداد لتحمل المسؤولية من عناء وملل ووحدة وكي لا يشمت الناس بها ويقولون أب غائب وأم مستهترة.

 وعلى الطرف الآخر هناك زوجات غير قادرات على التعامل مع غياب الزوج بقوة وصبر حيث سبب لهن ذلك آلاماً نفسية عميقة لا سيما وأننا نعيش في ظل مجتمع لا يرحم، ما ينعكس بالتالي على نفسية الأبناء، إذ تتعرض الزوجة للمضايقات والضغوطات الخارجية ما يدفعها للتقوقع على نفسها تحاشياً للوقوع في المطبات فيزداد شعورها بالملل والإحباط والاكتئاب لعدم قدرتها على مواجهة المصاعب بمفردها وهذا ينعكس بالطبع على أطفالها الذي يصبحون شديدي الحساسية ويعانون المشكلات النفسية المتعددة ولم يعد يهمهم من والدهم سوى أن يبعث لهم الهدايا في حين تقع الزوجة فريسة لمن يتصيدون النساء الوحيدات تفتقد إلى الأمان والاستقرار العاطفي ونتساءل هل صحيح أن (البعد جفا) كما يقال وهل صحيح أن الغياب يجفف المشاعر العاطفية أو ربما يقتلها أيضاً فغياب الزوج يخلق شرخاً عاطفياً كبيراً يحتاج إلى الكثير حتى يترمم لا سيما وأن التواصل بينهما صار يفتقر للمشاعر الحميمية والعبارات الدافئة فالبعد يجعل من الزوج غير مكترث بالمشاعر وعندما نتحدث عن هذه الظاهرة لا يمكننا أن نغفل أهمية الوقوف على مشاعر الأبناء وكيفية تكيفهم مع هذا الغياب ومما لا شك فيه أن ردود الفعل تختلف من أسرة إلى أخرى ومن ابن إلى آخر فبعضهم يتكيف مع الواقع يواجهه بوعي وصلابة وبعضهم الآخر لا يشعر بالغياب أبداً ربما بسبب الحالة النفسية لوجود الأب مع عائلته من خلال الاهتمام الدائم بهم أو بوجود الأم المسؤولة وفي كل الأحوال الأبناء هم الذين يدفعون الثمن إما بانحرافهم سلوكياً أو نفسياً وإما بالمعاناة من الفراغ الشديد الذي قد لا تستطيع الأم سده كالأب تماماً.

 أخيراً كيف ينظر الآباء لهذه الظاهرة؟ وهل يرون أن دورهم الأساسي مجرد جلب المال للأسرة.

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار