شر.. الـ (أنا)

الوحدة 3-11-2020 

 

تسألونني عن أكثر العيوب التي تستفزني في البشر على رغم كل اشتغالي على تعميق منطقة تسامحي مع الضعف الإنساني أقول لكم إنها الـ أنا اللعينة لا أطيق صحبة هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يملكون مفاتيح الحكمة هل قابلتم أحداً منهم من قبل؟ أتذكرون رجل الأعمال الذي لا يتوقف عن الحديث عن إنجازاته وتلك التي ترى نفسها أجمل النساء وأذكاهن؟ وهذا الذي لا يتوقف عن تحليل شخصيات يقابلها وإصدار أحكام قاطعة عليهم؟ تلك هي الـ أنا إنها ذلك الإحساس بالتعالي على جموع البشر بدافع الإحساس بالتفوق أو الاعتقاد بذلك وقد يكونون مميزين بحق لكن إحساسهم بالتميز يبعدهم من الداخل عن باقي الناس الذين يبدون من وجهة نظرهم أقل ذكاء أو نجاحاً أو علماً.

ما زلت على قناعتي الرومانسية أن الحكيم لا يعلن أبداً عن حكمته حتى لنفسه فكلما خطا خطوة على طريق المعرفة وكلما ذاق من شهد الحكمة عرف بقلبه كما بعقله أن الطريق لا يزال طويلاً وأن ما في يده ليس إلا حفنة من ماء المحيط.

تعجبني تلك الحكاية التي تروى عن شاب في مقتبل العمر ذهب إلى شيخ القرية يسأله النصيحة (كيف أصبح حكيماً حتى يثق الناس بي ويعاملوني كصاحب لهم؟)

صمت الشيخ لوهلة متفكراً ثم أجاب (يا بني إن الحكمة لا تعني أنك تعرف كل شيء أو أن لديك إجابة لكل الأسئلة، الحكمة تعني كيف تتعامل مع الناس وتذكر عندما يأتي أحدهم من أجل النصح فعليك بأشياء ثلاثة الأول أن تنصت والثاني أن تفكر والثالث أن تجاوب فإن أتى إليك شخص أنصت إلى سؤاله إن مشكلة معظم البشر أنهم يندفعون إلى الإجابة قبل أن يستمعوا إلى كل السؤال أنظر مباشرة إلى عين من تحدث وأشكره على اللجوء إليك فكر جيداً في سؤاله ربما تأتيك إجابة وربما لا لكن قيمتك بين الناس ستأتي من أنك فكرت وحاولت المساعدة وعلى رغم اعترافك بأنك لا تعلم كل شيء فإن اسمك بين الناس سيقترن بالقدرة على الإنصاف ومن منّا لا يحتاج إلى من ينصت إليه.

لهذا لا أثق كثيراً في هؤلاء الذين يتوقف لهم حديث ولا يستطيع الاقتراب منهم بشكل إنساني حميم.

تقول الحكمة الشعبية أخذاً عن أحد العارفين الحقيقيين (افعل الخير وألقَ به إلى البحر) والمقصود هنا هو ألا ننتظر نتيجة فورية لخير فعلناه أو لكلمة طيبة خرجت منّا المهم هو الفعل وكذلك القول في القيام بالفعل نفسه يمكن الرضا عن الذات وتقديرها أما أن نرهن رضانا عن أنفسنا بنظرات إعجاب في أعين أخرى نرغب في انتزاعها عنوة فهو سلوك ساذج يتناقض تماماً مع قدر الحكمة التي ندعيها لذا أجد نفسي هاربة من مكان فيه أناس دائمو الحديث حاملو الإجابات كلها في حضورهم أشعر بتناقص الهواء الداخل إلى صدري وقبل الاختناق أختفي ولنفس السبب أكون في صحبة قليلي الكلام الذين تنطق عيونهم بالمحبة وبالتسامح والرضا وبهذا الاعتقاد الراسخ أنه لا يزال أمامهم الكثير من المعرفة ليغترفوا منها قبل أن يدعوا أنهم حكماء.. (كفاكم الله شر الـ أنا التي لا ترى إلا نفسها).

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار