بين التضحية والاستعباد

الوحدة: 2- 11- 2020

 

تمرّ خطوات الزمن مثل ومضة هابطة من مجرات لا تدركها الحواس نركض خلفها لاهثين. لكنّ رياح الوقت تكنسها بسرعة مذهلة وتبقينا داخل دوامة لحاق أزليّ يرهق النفس والجسد وقد تناسينا أنفسنا وجعلنا ذواتنا إكسير حياة  للآخرين من دون أن ننتبه إن كانوا يستحقون ذلك أم لا!

وفي غمرة واقعنا المرّ تحولت التضحية النابعة من الداخل إلى واجب وقانون تفرضه العادات والتقاليد حيناً والفقر حيناً وطبيعة الشخص حيناً آخر .ما جعل بعض الأفراد مجرد أدوات عابرة تؤدي مهمتها لتسعد  الآخرين وتذرف دموعها في كل وقفة مع النفس أو رحيل منفرد أو سماع أغنية تحرض الذاكرة أو مقطوعة موسيقية ناعمة أو حتى  رؤية منظر طبيعي جميل.

تلك الدموع التي قلما يراها أحد بعيداً كان أم قريباً تفضح مدى التمزق والحرمان الذي يزلزل أرواح هؤلاء البشر والألم الذي يعتصر قلوبهم فيلجؤون إلى الصمت التعبير الأصدق عن معاناتهم الحزينة.

وإلى هذا تشير الدراسات العلمية السيكيولوجية. فالمرأة تفوق الرجل تضحية ولذلك تحظى بمكانة خاصة في المجتمع والبحث يظهر أن ثلثي السيدات يبدين اهتماماً بصحة الأسرة والأصدقاء أكثر من اهتمامهن بصحتهن إذ إن المرأة بطبيعتها مستعدة لممارسة هذا السلوك .فالأمهات جاهزات للتضحية بأنفسهن من أجل أبنائهن والزوجات يقدمن أكبر التنازلات لأزواجهن على حساب أنفسهن إن ما تبديه المرأة من حرص على من يحيط بها مرتبط بالسلوك الاجتماعي الذي  تعتاده منذ الصغر لكن  السلوك الأنثوي المشار إليه ينمو ويتحول إلى ما يشبه المرض تزيد حدته أو تنقص بحسب المجتمع الذي تعيش فيه المرأة  وبحسب ما يؤطرها من عادات وتقاليد ومفاهيم إذ نجد أن التضحية المرضية تتنافى بشكل لافت في مجتمعاتنا العربية وتغدو  في مرحلة من المراحل ضرباً من ضروب الانتحار غير المعلن بسبب ماتر زخ  تحته الأنثى من ضغوطات وقمع وتهميش وانعدام حرية التعبير من مكنوناتها إضافة إلى تنامي الفقر في المجتمعات ما يؤدي إلى المطالبة بمزيد من العطاء الذي قد يصل إلى حد الاستعباد المقيت.

على الرغم من هذه الحقائق التي نتابعها ونعيشها إلا أن ذلك لا ينفي ازدياد عدد الرجال المضحين بحقوقهم وراحتهم النفسية وحرياتهم الشخصية بصمت من أجل المقربين منهم ولعلّ ما يزد من معاناتهم أنهم لا يستطيعون ذرف الدموع في لحظة الحاجة إليها بل يبتلعون غصاتهم الجارحة وهم ساهون يتكئون على آلامهم الدفينة بانتظار لحظة الراحة الأبدية.

 لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار