الاستراحة القصيرة…

الوحدة: 26- 10- 2020

 

مشكلة معقدة وكان يظن أنه اتخذ القرار الصائب وإذا كانت السينما من أحلام الواقع فقد اختارت المرأة النهاية التي تناسبها.

وقالوا إن الحياة لعبة وفي أية لعبة هناك رابح وخاسرون وحماسة الحديث على حماسة المستمع ولا يكفي لنغير حياتنا أن نغير قواعد اللعبة ولأن لكل عقدة حلالاً، فإن حلمه بحل عقد المشكلة جعله لا يرى في العالم إلا حلماً واحداً وهو أن يخرج سالماً برأسه والمانحون منحوه سبع وحاول أن يفتح النافذة ليوجد للهواء إلى رئتيه طريقاً بعد أن ضل الأكسجين طريقه إلى قلبه.

ووقف ليرحب بوفد الأشواق الذي لا ينصرف ومع انتظاره رسالة تأتي على وجه الحاسوب الذي صار أسرع ساعي بريد في العالم إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث وحين جلس إلى الطاولة انتظم كأسان فارغان والجو مفعم بالموسيقى والانتظار لعبة الوقت المملة ولم تكن تجمعه أية قواسم مشتركة معها فانصرفت مسرعة وعاد ليجد الفراغ جاثماً حيث كانت.

ومع كأس فارغ وكأس فارغة تسكب اللغة سرها للظمأ الدائم ومن كانت مخيلته واسعة اختلق للقصص تفاصيل ليست في ديباجتها والاستراحة القصيرة التي اسمها الحياة بين موتين طويلين فهل فهم الناس فلسفتها أم أنهم لا يعبؤون بما بين الضفتين وسواء فزت في لعبة الحياة أم لم تفز فلا فائدة لأن الفوز والخسارة فيها أمران نسبيان فأنت في استراحة قصيرة والفوز والخسارة كالاختيار بين ألوان القمصان لا أكثر ولا أقل وقبل أن أنسى فنحن لسنا اللاعبين الحقيقيين بل نحن أدوات اللعبة التي على الرقعة وسواء أكنت البيدق الجندي أم القلعة أم البيدق الملك فأنت يا عزيزي لا تعدو أن تكون البيدق الذي يلعب به ثم إذا انتهى دوره أخرج من اللعبة ليحل بيدق آخر مكانه حتى نهاية الشوط وعندما يعبث الأطفال في الأفعوانة يصرخون لكنهم لا يخافون لأنهم وعلى رغم كونهم أطفالاً يعلمون أنها لعبة أما نحن الكبار ومع علمنا أن الحياة لعبة الكبار إلا أننا نصرخ فإننا نصرخ خائفين بحق.

فلماذا لا نسترخي ونطفئ الأنوار ونحلم بغدٍ أفضل هذا إذا كنا كصاحب المشكلة المعقدة الذي نتحدث عنه.

ولو تأرجح بين الذكاء الحاد إلى درجة العبقرية والغباء إلى درجة الأفون فلا قيمة حقيقية لذلك لأن الجلوس في استراحة مدتها دقائق أمر لا يشعر به الكون إذ إن القرون الطوال بمثابة دقائق بالنسبة إليه ونحن الجالسون في الاستراحة بعد أن غادرها من جلسوا فيها قبلنا الذين لبثوا أيضاً دقائق معدودة مثلنا ولا حاجة للشرح لأنه لا طائل منه وسوف ينتهي المطاف بالجميع قريباً خارج الاستراحة.

فلا أي شيء يربي الآباء أبناءهم بكل هذه الحماسة زاعمين أنهم يعدونهم للحياة؟ بينما الحقيقة المطلقة التي أدركها الفلاسفة والعباقرة تؤكد أنه لاطائل من كل هذا الحماس والعبث ومن يستطيع إيقاف عجلات الكون المنطلقة سيكون بإمكانه تحديد الأشياء والداخلون في الدائرة المتحركة يخيل إليهم أنهم يتحركون بينما هم ثابتون وواقفون في مكان واحد لا يبرحونه وعليهم أن يحافظوا على تركيزهم لأن وقت الاستراحة ينتهي دون سابق إنذار ليستبعد من انتهى وقته من الدائرة وإذا كان الخروج من الدائرة مؤلماً للباقين فيها فإن وقع الألم على الخارج هو في الحقيقة صفر مطلق ولغير المهتمين بالرياضيات فإن الصفر درجات وذلك شيء مضحك إلى درجة لا تصدق أن اللاشيء له درجات فأي لا شيء بعد اللاشيء ليكون هناك عدة أصفار للاشيء إذ إن الصفر المطلق يبلغ ثلاثاً وسبعين درجة تحت الصفر ومن يحسب اللاشيء يحسب للعدم عدماً أكبر منه.

ولكن وعلى الرغم من هذه الحقيقة الواضحة ،فإن النصيحة الذهبية لجميع الجالسين في استراحة الحياة ألا يستسلموا لليأس وأن يعيشوها ثانية إثر ثانية باحثين عن الفرح ومفتشين عن الابتسامة  التي هي سر النضارة التي في الورد والرقة التي في الماء والبرودة المفعمة بالنشوة في النسيم العابث حيث يمر قادماً من المجهول وعائداً إليه فلتحرص أن تبتسم رغم كل شيء.

 لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار