الاستشراق.. سحر الشرق، ولؤم الغرب

الوحدة: 26- 10- 2020

 

سحر الرحيل إلى الشرق مثّل للأوربيين جاذبية خاصة وخاصة الأدباء والعلماء والمصورين ولكل منهم مراميه ودوافعه الخاصة، والاستشراق فرع ملتبس من المعارف الغربية حول الشرق الذي كان يشمل في البداية العالم العربي الإسلامي ثم جرى توسيعه وتعميمه ليشمل جهات عديدة من الشرق كالصين والهند والباكستان، ويمثل صورة الشرق في الآداب والفنون والمعارف الغربية من فكر وفلسفة وفن تشكيلي وسينما ودراسات غربية، وهو من الإطار التاريخي والمعرفي خطاب محكوم بغايات استراتيجية محددة متصل بالإمبراطورية الغربية وكيف يبني الغرب تصوراته وصورته للشعوب الأخرى للسيطرة عليها.

الاستشراق جزء من العلاقة الاستعمارية القائمة بين الغرب والشرق وممارسة معاصرة ليست محايدة أو موضوعية، بل عملية متحيزة، ولا أحد يأتي إلى هذا العمل دون أن يحمل معه خلفيته ومتاعه الخاص الذي يتألف من فرضية تقول:

(إننا في هذا البحث أو على ضفافه سنعثر على معرفة حقيقية بخصوص هذا الشرق وهذه المعرفة يمكن استخدامها لتطوير فهم الثقافات التي تنتج في الشرق وتحقيق معرفة أكبر بشعوبه وثقافتها)، وقد أسهمت النصوص الأدبية الاستشراقية وأفلام الرحلات في انقسام بين أوروبا والآخر، حيث تهدف الثقافة الغربية الأوربية إلى المحافظة على الهيمنة وبسطها على الآخرين وتغذية منابع الجهل ومده بكل أسباب القوة والحياة والبقاء وتحطيم أسوار المعرفة ومصادرها في الشرق وخاصة في الدول التي تقدمت وأعلت البنيان الحضاري لتكون شريكة في الفعل العالمي والإنتاج المعرفي وتوجيه سهام الإرهاب والغدر الطائش والحصار الاقتصادي والحظر المتنوع لها وعلى رأسها سورية وإيران.

معرفة الغرب للشرق ليست بريئة ولا موضوعية كون البشر المتجذرون في التاريخ والعلاقات الاستعمارية هم الذين ينتجونها، وهي شكل من أشكال المراقبة والتأمل الداخلي المشغول بالاهتمامات والمشاكل والمخاوف والرغبات والأطماع الخاصة بالغرب، وتحتل مكانة بارزة في المؤسسة الأكاديمية والإعلام الغربيين مع تزايد الاهتمام بالإسلام والعالم العربي وإنتاج الكتب الهادفة التي تتميز بنزعتها الاستشراقية الضحلة في التعريف بالمنطقة العربية والإسلامية والتوجه لإنتاج الكثير من الأفلام التي تنطلق من الصور النمطية ذاتها عن الشرق التي روج لها الاستشراق طيلة عدة قرون والألعاب الالكترونية الحالية التي تنطلق من رؤى استشراقية وصور نمطية للشرق تسمه بالجهل والتخلف والعاطفية المفرطة والرغبة في تدمير العالم.

كانت الرّحلات إلى الشرق تقتصر على الرجال حصراً حتى منتصف القرن التاسع عشر ثم ابتدأ سحر الشرق بجذب النساء كما الرجال وتتابعت رحلات النسوة الأوربيات إلى المنطقة العربية، وفي نهايات  القرن العشرين ساد الاستشراق بقوة في دراسات المناطق الجغرافية والروايات الأكثر مبيعاً والسينما والألعاب الالكترونية، وحالياً تراجع موضوع الاستشراق الأدبي والفكري وصار مجرد تخصص وخيالاً وحلّ محله مسرح الحروب والعمليات العسكرية والإعلام المضلل والتلفزيون والأقراص المدمجة.

 نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار