عفونة العقل… سجن الذات

الوحدة : 13-10-2020
 التفكير الجامد المقولب تأطير معتوه للعقل يتلفه تمهيداً لتجميده في حالة تعيق حركة الأقدام على الأرض والسير إلى الأمام، وهو يشبه الملابس لأنها رداء العقل والفكر، بعضها يضيق وبعضها يتمزق، وبعضها يحتاج إلى رتق أو خياطة، ويعمل على تهيئة البيئة المناسبة لتسريع التعفن ليصبح مثل حبة فاكهة تعفنت وستعمل على إفساد الجيد المتبقي.

 الأفكار العفنة وساوس وأفكار غامضة وتهويمات لا معنى لها قريبة من السواد وغير جديرة أن تلحد في بردعة حمار، أفكار بائسة غير قابلة للتنفيذ، ولغو وهراء كالصراخ الضائع في الهواء وتصورات تقع تحت بند الخيالات السقيمة والحشو الزائد في الكلام الذي لا معنى ولا نفع له.

 العقل العفن ثقل ليس ذا فائدة يحمله نمط شاذ غريب من البشر في سلوكه وتفكيره، إنسان تنعق في عقله أشباح اليأس، يعيش أسير رؤاه الضيقة ويضيع في متاهات الأفكار السوداء التي تغزو رأسه، يجري وراء الأشباح التي تلامس عقله ولا يستطيع أن يلامسها، إنسان يتميز بالضحالة المعرفية كفقاعة طافية على مدار يختبئ العقل النائم فيه، يستعصي عليه الانخراط في الإيقاع الحضاري المعاصر، إنسان مشلول ضعفاً مظلم فكراً مربوط الخيال، يتترس بالجهالة العمياء، يمشي للأمام ورأسه ملتفت إلى الوراء دوماً، يتجه للجزئيات والصغائر ويترك الكليات والكبائر ويغطي شمسٍ الحقيقة بغربال الأكاذيب، يطرح رؤاه بقالب بوليسي ويؤمن بالمواجهة كمعنى دائماً للعلاقة بين الفرد والمجتمع.

 الإحباط الفكري والمعرفي يؤدي بشكل أو بآخر إلى إيقاظ الوعي الأسود، وهناك من يعمل لتهيئة الظروف لاتلاف حاضرنا باستجلاب العفن وحشرات العث لتمرح في أردية عقولنا وفاكهتها وتصديع رؤوسنا بمواعظ ونواميس لا محل لها من الإعراب لاغتيال مستقبلنا الفكري والحضاري.

 التغيير صدام قدري بين الأصالة والزيف يتجلى بالقدرة والشجاعة على فتح أبواب سجون ذواتنا وإطلاق سراح أفكارنا لإعادة تركيب وترتيب فوضانا الداخلية والفكرية التي أثبت الواقع موتها وصارت جثة متعفنة يتوجب دفنها بعيداً… نحن بحاجة ماسة إليه وارتداء الجديد الذي يناسب عقلنا وفكرنا وتحرير مساحات واسعة من الممنوعات العقلية والانطلاق بحرية لاقتناء قناعات وأفكار جديدة تتناسب مع مصالحنا وتطورات العصر الذي نعيشه.

 التغيير الفكري الذي نتوق إليه عملية فردية ومجتمعية لتحرير العقل بحدوده الشاسعة وتفكيره المرن المطواع، للتقدم نحو المستقبل والغد الأفضل بخطوات أكبر وأسرع بتحريك سبات ونوم الواقع وهز عرش المسائل الهامة وإنتاج الكثير من الأسئلة الجريئة الصادمة لإقلاق السائد المستقر الذي يحاول جاهداً الإبقاء على الأمر الواقع بإنتاج إجابات مؤطرة جاهزة مسبقة الصنع تفوح منها روائح الرطوبة والخمول والنوم.

 نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار