كائد حيدر… من رّواد التشكيلية المعاصرة

الوحدة : 13-10-2020

إنه الخّلاق الخلوق التشكيلي كائد حيدر، صاحب التجربة العميقة والجدية عبر مشاريعه الفنية، هو في حالة بحث دائم لابتكارات تغني مسيرته التشكيلية بفلسفة خاصة. الفنان حيدر خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق وحاصل على دبلوم دراسات عليا في التصوير الزيتي ،عضو اتحاد الفنانين التشكيليين، حائز على عدة جوائز، وله العديد من المعارض داخل وخارج سورية، محاضر في كلية الفنون بجامعة تشرين ومدرس في المركز الوطني للمتميزين. معه كان اللقاء التالي حول بعض إشكاليات اللوحة التشكيلية:

 – بعد خمسة وعشرين عاماً تقريباً من انتهاء الدراسة الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة بدمشق ماهي سمات المحطات التي مرت بها تجربتك الفنية؟

بداية، كل فنان يمر بثلاث مراحل خلال مسيرته الفنية،  مرحلة الموهبة خلال الطفولة و تتصف بالعفوية و الحرية، ثم يتعرف على القوانين و الضوابط الأكاديمية ، والمرحلة الثالثة يطلق عليه صفة الفنان المحترف وهنا يصبح الشخص رساماً مرحلة التعلم الفنان المحترف حيث يبدأ المخزون الشخصي بالنمو ليعطي الصفة الإبداعية و الفنية الخالصة، في هذه المرحلة يمكن أن أعتبر سمات تلك المحطات خاضعة ِلكم التجريب والبحث و يصبح الأمر أكثر تعقيداً ،فيتطلب كسر القوانين التي تم تحصيلها دراسياً و محاولة تجاوزها و الإفلات من سيطرة القوانين الوضعية بإيجاد حلول تشكيلية بعيدة عن المألوف مع تكريس المخزون وتعدد الوسائل المتاحة و تعميق الرؤية التشكيلية ،وقوننة خاصة تتبع الخبرة للوصول للجوهر الفني المنشود الخاضع للهدف البحثي بتثبيت مفاهيم تشكيلية في أسلوب عملي بالشكل و المضمون للوحة شخصية لحد ما، فتارة يكون الطاغي الفيض اللوني و الشكلي المسرحي يتحدد بالفترة الزمنية المعاشة والإسقاطات الممكنة للوحة، وتارة أخرى يكون خاضعا لمضمون ُملّح ، ،فقد عالجت موضوعات منوعة من شرقي قديم إلى ألف تاريخي أو تراثي أو إنساني بصياغات تشكيلية مركبة أكثر تعقيداً و أهازيج وغيرها. ليلة وليلة و رقص على الجمر و شوق واشتياق و الموت سراً.

– هناك فجوة بين اللوحة و المتلقي من ناحية القبول أو الرفض لاتجاه ما، كيف تفسر هذه الحالة في علاقة الجمهور مع العمل التشكيلي؟

إن الخوض في هذه الإشكالية قديم فيمكن التطرق إلى نظرية التلقي ل هانز روبرت ياوس التي أثرت بتاريخ الفن و علم الاجتماع في الأبحاث النظرية و التطبيقية فبين التلقي (الاستقبال) والفاعلية كلاهما يتعلق بما يحدثه العمل الفني من أثر ولا يمكن الفصل بينهما تماماً، فالتلقي يتعلق بالمشاهد بينما الفاعلية تختص بالمعالم التشكيلية للوحة أي التمييز بين جماليات التأثير و جماليات التلقي. كما يقول ( دوكاس ) إن الانفعال أساسي للتذوق الجمالي ولتحقيق الأثر الانفعالي عند المتلقي يجب أن يتمتع المتلقي بالشروط الثقافية و الذائقة البصرية القادرة على قراءة العمل الفني، فإشكالية الأمية البصرية و سطوة الكلمة في الثقافة العربية تزيد الفجوة القائمة بين اللوحة والمتلقي وبين الناقد و المتلقي لانعدام التخصصية العلمية في التناول النقدي، مما يساهم في تسطيح التذوق البصري للمتلقي وبغياب النقد البناء ينقطع التواصل بين اللوحة والمتلقي لذلك نرى السواد الأعظم من الجمهور يتمحور حول كلاسكية الأعمال الفنية غير قادر على الولوج لاستيعاب الحداثة و ما بعد الحداثة أو الفن المعاصر بفضائه الواسع و الاتجاهات المتشعبة عنه بفنون أقل ما يقال عنها غرائبية.

– من أين تبدأ اللوحة كولادة لعمل فنيّ ومتى تنتهي عملياً لديك؟

في الحقيقة من الصعب إنتاج لوحة مستقلة كليّاً فتأتي في سياق ما قبلها وما بعدها لأن اللوحة جزء من مجموعة متكاملة أعد لها ولوقت طويل من بحث ودراسة معمقة على صعيد الموضوع العنوان، الهدف ،البنية التشكيلية، الدلالات ،والرموز والمناخ المسيطر . فتحمل اللوحة الفكرة الضمنية والمضمون التشكيلي لتكتمل مع غيرها من اللوحات بمخزوني الشخصي تقنياً وفكرياً بطابع وأسلوب نمطي خاص ،قد يكون الإعداد للوحة أطول زمنيا من فترة الإنجاز فعند البدء بالعمل تكون بداية النهاية وخلال إنجازه أصل لمرحلة لا تسمح لي بأي إضافة فيكون العمل منتهيا

– حتى يستقيم اتجاه أو إنتاج فني ويحقق انطلاقة لابد من تقييم الأعمال من الناحية النقدية في الأدب والمسرح والمجالات الفنية المختلفة تشكيلياً الواقع النقدي للعمل الفني التشكيلي أين ؟

لا تستقيم حركة تشكيلية بدون وجود ثلاث دعائم : اللوحة ،الناقد ،المتلقي حتى تؤدي وظيفتها ثقافياً و اجتماعياً. فالنقد الفني يعمل على تطوير ثقافة المجتمع البصرية و الفنية و إخراجها من حالة الجمود ويساعد الجمهور على استيعاب و فهم الأعمال الفنية فيستنبط منها العمق الفني و الأدبي وما لا يلاحظه المتلقي العادي فالناقد يؤسس لذوق عام لتثبيت ما هو الجميل والفني وما هو الرديء، فيدفع بعجلة الفن لتواكب التطور الثقافي ،ومن الضروري أن يكون الناقد عالماً بتاريخ الفن .

وعلم الجمال فيناقش العمل الفني وفقاً لمعايير و نظريات جمالية مستنداً لأدوات و مناهج علمية بدراسة التقنيات و الخفايا البنيوية و الأسلوبية و الابتعاد عن النقد الانطباعي أو التأثيري السطحي على حساب الرصد الموضوعي للقيم البصرية و الجمالية و الفنية بتعزيز مقومات و عناصر النقد العلمية من الوصف و التحليل و التفسير للوصول إلى التقييم النهائي و إطلاق الأحكام الموضوعية بعيدا عن أي تأثير خارجي.

– في ظل الفضاء المعلوماتي والصورة الرقمية ماهي إمكانيات بقاء اللوحة المحمولة كواحدة من وسائل التواصل الثقافي لطرح وجهات نظر تيارات فنية وفلسفية وادبية ؟

برأيي أن اللوحة هي عمل يفيض إنسانية يتمتع بالأصالة و المصداقية الشعورية و مهارة منتج انساني بارتياباته الجمالية وفي المقابل هناك حاجة ماسة لوجود الصورة رقمياً لتواكب الطفرة التكنولوجية و التطور العلمي المتسارع لتكون إضافة جميلة و توسع المجال الفني إلى ما وراء الموضوع و تحقق انزياحاً لصالحها بما تملكه من عناصر الإبهار و إعجاز الألة، إذا فاللوحة بحضورها و رائحتها و نكهتها بجانب الصورة الرقمية مكملان إحداهما الأخر حيث لا يستطيع الآخر أداء ذلك الدور كأحد الوسائل المرجوة لتحقق للإنسان الحاجة الفنية جمالياً و فكرياً.

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار