في مثل هذه الأوقات… بطاطا وبيض مسلوقان والبركة في (اللمّة)

الوحدة 8 – 10 – 2020

 

في مثل هذه الأوقات، ونحن عائدون من قطاف الزيتون، كان يوزع علينا أهلنا (مهام) سريعة، تُنجز في دقائق لكنها كانت تشغل حيزاً مؤثراً في حياتنا اللاحقة..

بعضنا كان يُكلّف بتجميع باقة من (الزوفا)، والآخر عليه قطف (المراب البري9 حتى لو لم ينضج بعدن فبالإمكان تخميره بـ (التبن)، والثالث عليه أن يملأ (كالونات) المياه، ويتركها في الأرض لليوم التالي، فتكون مثلّجة وكأنّها خارجة لتوّها من البراد..

من المهمات الأخرى جمع (المّدات) من أكياس خيش أو نايلون، ووضع الحجارة عليها حتى لا تبعثرها الرياح أو الثعالب، والتأكد من أنّ كلّ شيء في مكانه..

يتذكّر العمّ أبو عدنان (90 عاماً) إضافة إلى ما تقدّم: موسم الزيتون هو الأجمل بين ذكرياتي، كانت تجتمع العائلة بأسرها في الحقل.. أحياناً كنّا نترك ابواب بيوتنا مفتوحة، فالدنيا كانت أماناً وأمانة، إن لم نلحق تجهيز الطعام قبل ذهابنا إلى الحقل، كانت تبقى إحدى البنات لتجهيزه واللحاق بنا مع (الزوادة).. كانت اللقمة طيّبة، وكانت فائدتها كبيرة لأن مكوناتها طبيعية ونظيفة، ولأن الجسم كان يحتاجها بعد جهد كبير.. لا أذكر في حياتي أني استخدمت عاملاً بالأجرة.. كان التعاون سياسة عامة، وثقافة عالية، الكلّ يساعد الكلّ دون منّة ودون تذمّر، ولهذا كان الله سبحانه وتعالى يبارك لنا في رزقنا وفي طعامنا وفي صحتنا..

ويتابع العمّ أبو عدنان: الآن اختلف الوضع كثيراً.. الأولاد لا يقدّرون الأرض حقّ قدرها، ويأتون بعمال بـ (الأجرة)، يضربون الشجرة بالعصي وكأنها عدو لهم، ولا يفكرون بها..

ودخلت على خط الحديث زوجته (أم عدنان): كنتُ أستيقظ قبل الفجر بساعتين أو أكثر، أحلب البقرة وأطعمها، وأخبز على التنّور ما يكفينا ويكفي من سيأتي لمساعدتنا في (نبار) الزيتون.. كان البيض والبطاطا المسلوقان والشنكليش والعنب والبندورة قوام الزوّادة.. الكلّ يأكل بشهيّة، والكل مسرور بالعمل.. نتبارى بالأغاني وبـ (الحزازير) وكأننا في مشوار..

تنهيدة الحسرة على تلك الأيام خرجت من العجوزين أكثر من مرّة، وهم يرون أبناءهم وكأنهم على خصام مع الأرض التي ورثوها عنهم، على حدّ تعبيرهم..

هي حكاية مكررة يرويها أهلونا، وأعادها (أبو عدنان) على مسامعنا، وهو يعرف أننا نعرفها، ومع هذا يعيدها وكأنه يصرّ في دعوته إلينا بألا نتخلّى عن الأرض…

يارا غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار