شعارات أكثر من جيّدة…. ننتظر ما سيطبّق منها!

الوحدة 7-10-2020

جاء في الخبر الرسمي الذي بثّته (سانا) عن اجتماع مجلس الوزراء أمس الإثنين (وطلب رئيس مجلس الوزراء من الوزارات إتاحة الفرصة للكوادر الشابة التي تتمتع بمعايير الكفاءة والنزاهة لتبوؤ مفاصل إدارية، والاستفادة من الطاقات الكامنة لديها في تحسين واقع العمل والأداء، وإجراء تقييم دوري للعاملين، وتقديم المحفزات اللازمة لهم، وصقل مهاراتهم وتطويرها، مشيراً إلى أهمية تعزيز التشاركية بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والاتحادات والنقابات وتفعيل المبادرات المجتمعية بما يسهم بتحسين الواقع الاقتصادي).

وعلى (قدّ فهمنا) سنحاول قراءة هذه العناوين، بالطريقة التي نرى فيها الفائدة المرجوة، ولنسأل لاحقاً عن إمكانية تحويل هذه (الشعارات) إلى واقع معاش.

كوادر.. كفاءة ونزاهة

القصّة جدلية أكثر من اللازم، والمشكلة هي أعمق من طرح هو إيجابي في مفرداته، لكن (طوباوي) من حيث الواقع..

إتاحة الفرصة (للكوادر الشابة التي تتمتع بمعايير الكفاءة والنزاهة لتبوؤ مفاصل إدارية)، هو طرح رائع من حيث الشكل، ولكننا سنختلف مع أي شخص على:

– مفهوم الكوادر الشابة، وعند أي عمر ينتهي الشباب، وهل سيتعارض هذا الأمر مع موضوع (الخبرة)، والكفاءة المكتسبة من طول سنوات العمل، وهل يتعارض هذا الطرح مع (الاستقرار) الغائب عن إداراتنا معظم الوقت؟

– من يحدد معايير الكفاءة، وهل هي صفة فطرية أم أنّها مكتسبة، وهل من يقيّم هذه المعايير يتمتع بها، وماذا عن تدخلات المتنفّذين، وهل بهذه السهولة سنتمكن من نفض غبار عقود من الفساد والروتين والمحسوبيات؟

– النزاهة كلمة فضفاضة، ودون أن نتخلى عن أي نسبة فيها، لكن عندما لا تتوفر وسائل الحماية الكافية والقوية، فمن الصعب أن تحضر النزاهة.. النزاهة في معظم الأحيان نتيجة لجملة عوامل وليست قراراً شخصياً، لأن مثل هذا القرار لا يمكنه الصمود في وجه متناقضات مجبر أن تكون ضمنها، فأنت مجبرٌ على الدوام كل يوم على سبيل المثال، ولو دفعت أجرة مواصلات أكثر مما ستقبضه، ومطلوب منك أن تنتج وتعمل وتكون نزيهاً!

– تبوؤ المفاصل الإدارية…. لنكن واقعيين، وفي 90% من أماكن العمل العامة، لا كلمة سوى كلمة المدير، وبالتالي وجود هؤلاء الشباب (الذين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة) في المفاصل الإدارية لا قيمة له.

طاقات كامنة

حتى نفكّر بهذا الاستثمار (وهو صحيح ومطلوب) يجب أن تتوفّر منصّات عمل حقيقية.. لنعترف أننا نعيش ترهلاً غير مسبوق في القطاع العام، وهذا الواقع غير مؤهّل لاستيعاب أي (طاقة)، هناك بعض العمل الروتيني الذي يقف أمامه العامل العادي والدكتور في الاختصاص نفس الموقف، فهذا يستطيع أن يدير المحرك، وذاك لا يفعل أي شيء مختلف عنه، والكفاءات في معظمها (تسميات) ليس إلا، والذنب ليس ذنبها، بل هو الواقع الذي لم يفتح لها المجال للإبداع، وإن كان لا بدّ من بداية فهذه التوجهات (جميلة ومهضومة)، لكن قبل أي شيء علينا أن نشخّص الواقع بشكل جيّد، ونعترف بما يحتاجه كلّ فرد في موقع العمل من راحة مادية ونفسية، وما يحتاجه العمل من أدوات وإمكانيات، وأن تكون هذه (التسهيلات) على مسافة واحدة من الجميع، وبعدها يحقّ لنا أن نتحدث عن (طاقات) وعن فروق في الإمكانيات، وبالتالي فرز الكوادر بين عادية ومتميّزة..

المؤشرات على تحسين العمل وتطويره لا تقتصر على التقارير السنوية، هذه التقارير التي حفظناها عن ظهر قلب، وكلها تتحدث عن نسب تنفيذ تزيد عن الـ 100%، فلماذا واقعنا صعب إذاً، ولماذا نتراجع في شتى المجالات؟

إذا ما كان الرد إنّها الحرب والحصار، فواجبنا أن نقول: لماذا لا تعترف تقاريركم بهذا الأمر إذاً؟

تقييم دوري للعاملين

وهذه مشكلة أخرى… من منّا سيكون سبباً في منع (ترفيعة) عن عامل، وهل سيسلم إن فعل ذلك، وإلى أي حدّ يؤخذ بالتقييمات إن كانت حقيقية؟

من جانب آخر، وحتى تكون هذه التقييمات حقيقية، يجب أن تكون ظروف العمل (عادلة)، وأن تكون تفاصيل كل شريحة متشابهة، فلا تجوز مقارنة عامل (بغض النظر عن مرتبته الوظيفية) تأخذه السيارة من البيت وتعيده إليه، مع آخر بنفس المسمّى الوظيفي و(يتبهدل) كلّ يوم على الطرقات وفي السرافيس..

تقديم المحفّزات!

سننتقد أنفسنا، وأرجو ألا يزعل منّي أحد، فالنقد ليس موجهاً لأشخاص، وإنما لقوانين، أشار البيان الحكومي إلى ضرورة تعديلها وتصحيحها، ولكن هل يُعقل أن يكون راتب (مدير) على ما يعانيه من ضغوط ومسؤوليات، وما يتحمّله من أعباء نفس راتب موظف تحت (إمرته) لأنه من نفس الفئة الوظيفية؟

الموظف العادي (رجلاً كان أم امرأة) بإمكانه أن يحيك الصوف، وأن يستفيد من كلّ تسهيلات الدوام و… بينما الآخر (المدير النزيه طبعاً) يأتي أول الموظفين ويخرج بعدهم كلّهم، وهو من يدفع فاتورة أي خطأ في مديريته ودون أي تعويض يُذكر إلا ما ندر!

على هذا الأساس، فإن تقديم المحفزات أمر ضروري شرط أن يدار ذلك بطريقة موضوعية، وألا تكون مثل تعويض العمل الإضافي، والذي يشبه إلى حدّ بعيد (توزيع السلل الغذائية) وأقرب إلى المداورة، لأنه بالأساس… ( بلاها أحسن ما يوجعنا راسنا)!

باختصار

القطاع العام مريض، ومن سيلومنا على هذا التشخيص لن يكون إلا إما مستفيد من مرضه، أو من مسببي هذا المرض..

إذا ما أردنا أن نعمل بـ (غيرية وطنية) فلتشكّل لجنة (محلّفة) بكلّ وزارة، وتُعطى ستة أشهر من الوقت، وتُمنح الصلاحيات الكاملة، تطلع وتدرس وتشخّص الواقع كما هو، وتقدّم مقترحاتها، ويُعمل بهذه المقترحات إن كانت مقنعة.

الحكومة ليست مضطرة لـ (دعم) أي جهة مقصّرة، بل هي مطالبة بمعرفة أسباب التقصير الحقيقية ومحاسبة المقصرين، بعد أن تكون قد وفّرت مقومات العمل بشكل صحيح.

نأمل أن يأخذ مضمون البيان الحكومي، ومن ثم ما أعقبه من مواقف وتصريحات على محمل الجد، وألا يكون مجرّد بيان، وعلى ممثلينا في مجلس الشعب أن يمارسوا دورهم الرقابي الحقيقي، ويقودوا الحكومة إلى تنفيذ تعهداتها والتزاماتها، فدورهم لا يقتصر على منح الحكومة (شرعيتها القانونية)، والأهم من هذا وضع الحكومة تحت مساءلة الشعب من خلال ممثليه تحت قبة البرلمان.

غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار