كيف يتمّ إصلاح نظام الرواتب والأجور في سورية دون منعكسات تضخمية؟ الباحث عبود للوحدة: إصلاح نظام الأجور الراهن بما يتناسب مع غلاء المعيشة ونسبة الضرائب والرسوم المفروضة من قبل الحكومة
الوحدة : 4-10-2020
قال الباحث الاقتصادي والمدرس في جامعة طرطوس الدكتور ذوالفقار عبود للوحدة إن نظامي الأجور و الضرائب هما الآليتان الرئيسيتان لتحقيق العدالة الاجتماعية في سورية، وأن هذه الأدوات الموجودة بيد الدولة، وجدت لتحقيق السلم الاجتماعي الضامن لاستقرار النظام الاقتصادي والسياسي نفسه، مشيراً إلى أن وضع حد أدنى لأجور للعاملين في القطاعين العام الخاص (والمشترك، والتعاوني) يعتبر في مقدمة هذه الآليات، وأن الحكومة باعتبارها رب العمل للعاملين في القطاع العام، فهي التي تحدد لهم أيضاً حداً أقصى للأجور لضمان وجود توزيع عادل ومنطقي للأجور وملحقاتها، لافتاً إلى أن نقاط الخلل في نظام الأجور الحالي المعمول به في سورية، في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها من أزمة خانقة نتيجة للحرب والحصار الاقتصادي، يتسبب باحتقانات شعبية غير علنية، وإن أسباب هذا الاحتقان تتمثل في عدم تحسين أو إصلاح نظام الأجور الراهن، بما يتناسب مع غلاء المعيشة ونسبة الضرائب والرسوم المفروضة من الحكومة، موضحاً بأنه يمكن حصر مساوئ نظام الأجور الحالي في ضعف الحدين الأدنى والأعلى للأجور، والتي لا تكفي لأي حد أدنى من تكاليف المعيشة، مما يدفع بمعظم العاملين للتحايل واتباع طرق ملتوية وفاسدة لاستكمال ضرورات حياتهم لمن استطاع لذلك سبيلاً، أو للعمل في أعمال أخرى داخل وخارج أوقات عملهم الرسمي.
وأشار عبود إلى أن ضعف التعويضات الملحقة بالأجر الأساسي، كالتعويض العائلي، وتعويض العمل الإضافي، وتعويض المسؤولية.. وكذلك التعويضات غير المباشرة (دعم حكومي للمحروقات والرز والسكر والخبز) تفتح باباً واسعا للتلاعب والفساد.
وقال الباحث عبود: إن الناتج المحلي الإجمالي السوري تراجع 80% تقريباً خلال الفترة من 2011 إلى 2016 وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء، وإنه لا تتوفر معلومات عن الفترة اللاحقة، فيما تعتبر إنتاجية العامل السوري مرتفعة مقارنة بمتوسط إنتاجية العامل في الدول العربية وهي انتاجية لا تتناسب نهائياً مع مقدار الأجر الذي يحصل عليه هذا العامل، موضحاً أنه و بمقارنة رواتب موظفي القطاع العام في سورية مع 5 دول عربية أخرى (لبنان، الأردن، العراق، مصر، الجزائر)، وفق سيناريوهين، الحدّ الأدنى للرواتب في سورية، والحدّ الأعلى الذي هو سقف أساس راتب الفئة الأولى، من دون التعويضات (ويبلغ 80.240 ليرة سورية) ، يتبين عدم اختلاف الترتيب عند احتساب الحدّين، الأدنى والأعلى لراتب موظفي القطاع العام في سورية، حيث تأتي سورية (بكلا الحدين الأدنى والأعلى) في المرتبة الأخيرة، ما يدّل على ضعف مستوى رواتب القطاع العام في سورية مقارنة بدول الجوار، وبقية الدول العربية، وذلك بحسب دراسة لمركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد)، مشيراً إلى وجود مبادئ عامة لا بد وأن يتم إصلاح نظام الأجور على أساسها، منها انه لا بد أن يكون الحد الأدنى للأجر كافياً لتأمين تكاليف المعيشة الأساسية من مأكل وملبس ومسكن ونقل وإنفاق صحي، وأن يتغير هذا الحد الأدنى بشكل تلقائي مع تغير معدل التضخم الرسمي، لضمان القدرة الشرائية للأجر، وأن تتم مراجعة الحد الأدنى للأجر كل سنتين لمواكبة آثار ارتفاع الأسعار بأكثر من معدلات التضخم الرسمية التي يتم رفع الحد الأدنى للأجور على أساسها سنوياً،
وأن هذا الأمر يعني رفع الحد الأدنى للأجور إلى 10000 ليرة يومياً و300 ألف شهرياً، مع العلم بأن تكلفة المعيشة بحدها الأدنى تكلف 300 – 450 ألف ليرة شهرياً، لافتاً إلى أن تكلفة استئجار مسكن تتراوح بين 50 – 100 ألف ليرة شهرياً، وتكلفة أجور النقل تتراوح بين 15 – 30 ألف باستخدام وسائل النقل العامة ، و أن تكلفة النفقات الصحية تتراوح بين 10 – 20 ألف ليرة شهرياً دون أمراض مزمنة، علماً أن معدل الإعالة في سورية مرتفع نظراً لارتفاع نسبة البطالة، حيث يبلغ معدل الإعالة1/5، والبطالة 40%.
وقال الباحث عبود: بموجب القانون الأساسي للعاملين في الدولة، الذي يزداد الأجر المقطوع للعامل فيه بنسبة تبلغ 9% مرة كل سنتين، تعتبر هذه الزيادة غير كافية لمواكبة معدل التضخم، علماً بأن العامل يصل إلى سقف الراتب أو الحد الأعلى للأجر بعد 18 سنة من مباشرته للعمل، وبالتالي يقضي ال 12 سنة الباقية من عمله دون أية زيادات على أجره، إلا في حال صدور زيادة استثنائية على الأجر بموجب مرسوم تشريعي، مشدداً على ضرورة إغلاق الأبواب غير القانونية للصرفيات والهدر في المال العام (صيانة وهمية، نفقات نثرية، مهرجانات خطابية، ضيافة، مكافآت، احتفالات، إلخ)، وإعادة توزيع الدخول دون اللجوء للإصدار النقدي الجديد، مع توفير آليات حقيقية لحماية المستهلك ولمنع الارتفاعات غير المنطقية في أسعار السلع والخدمات.
وحول الآليات الرئيسية المطلوب تحديدها لتمويل رفع الحد الأدنى للأجر وتغيير نظام الأجور على النحو المطلوب قال الدكتور عبود:
ينبغي بدايةً إلغاء دعم الطاقة (محروقات، كهرباء) المقدم للمنشآت الصناعية الخاصة التي تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية، ورفع الدعم تدريجياً عن الدقيق التمويني مقابل دفعات مالية للأسر المستفيدة، علماً بأن الأفران الخاصة ومحليات الحلويات تستفيد من الدقيق التمويني المدعوم ولكنها تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية، مع العلم أن مخصصات الدعم تبلغ في موازنة عام 2020 (1500) مليار ليرة، إضافة إلى الجدية في تحصيل الضرائب من الشركات الكبيرة، حيث تبلغ مبالغ الضرائب المتهرب منها (1700) مليار ليرة، تم تنظيم ضبوط منها بقيمة 160 مليار ليرة عام 2019، ناهيك عن تعديل قانون الضرائب الحالي لمراعاة قاعدة التصاعدية وتعدد الشرائح الضريبية بصورة متناسبة مع المستويات المختلفة من الدخول، كأسس راسخة ومتعارف عليها للعدالة الضريبية في كافة الدول، بدلاً من القانون الحالي الذي يساوي بين كبار الرأسماليين الأثرياء وبين الطبقة العاملة (الوسطى سابقاً) في معدل الضريبة، حيث تفرض على أصحاب الدخل الأعلى من مكلفي الأرباح معدلات منخفضة، حيث تصل إلى 28% بالنسبة للمؤسسات الفردية وشركات الأشخاص، و22% بالنسبة إلى شركات الأموال ، و14% لبعض الشركات المساهمة، بينما تصل الضرائب على الشريحة العليا للدخل، 62% في الدنمارك، و57% في السويد، و52% في هولندا، و50% في بلجيكا والنمسا و اليابان، و45% في كل من أستراليا وألمانيا والصين وكرواتيا، و42% في البرتغال، و41% في سلوفينيا، و40% في كل من شيلي وبولندا وبريطانيا وجمهورية جنوب إفريقيا وفيتنام، و37% في تايلاند، و36% في المجر، و35% في كل من الولايات المتحدة والأرجنتين وإيران وتركيا وإندونيسيا وباكستان وكوريا الجنوبية، و34% في فنزويلا، مشيراً إلى ضرورة فرض ضريبة على أرباح المتعاملين بالبورصة (سوق دمشق للأوراق المالية) مماثلة للضرائب على دخول المشروعات التجارية والصناعية، وفرض ضريبة صغيرة في حدود 0.5% على التعاملات في البورصة كما تفعل غالبية البورصات في العالم، وأن وهذه الضريبة ستوفر مبالغ سنوية، وستكون في مصلحة البورصة وتنقلها من نشاط طفيلي هو المضاربة التي يسهلها عدم وجود ضرائب على التعاملات، مؤكداً على ضرورة تطوير أداء شركات القطاع العام، ووضع قيادات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة على رأسها، ووضع ضوابط صارمة لمنع الفساد فيها كأن تكون ضريبة الفساد باهظة، حتى يتحسن الأداء ويكون هناك فائض محول منها إلى الموازنة العامة للدولة يمكن استخدامه في تمويل نظام الأجور الجديد بناء على تحسن حقيقي في الإنتاج والإنتاجية.
وختم عبود بالقول: يجب مكافحة الغلاء غير المنطقي وأسبابه المختلفة وعلى رأسها الاحتكار الإنتاجي والتجاري، واحتكار الاستيراد (حيتان الاستيراد)، والعمل على تعزيز حماية المستهلكين وأجورهم الحقيقية بشكل حقيقي من خلال قيام الحكومة بدور المنتج والتاجر الأكبر، وتوفير السلع المحلية والمستوردة في مجمعات حكومية تدار بشكل كفوء ونزيه وتخضع لرقابة صارمة، وتبيع السلع بأسعار معتدلة، وإعادة النظر في دعم الصادرات الذي يتراوح بين 7- 10%، نظراً لما تكشف من سوء تطبيقه خلال السنوات الماضية، وتوجيه مخصصاته لدعم الصحة والتعليم وإصلاح نظام الأجور، وأن إصلاح نظام الأجور يتحقق عندما يكون قائماً على تعديل توزيع القيمة المضافة بين العاملين وأرباب العمل، وذلك من خلال نظم الأجور والضرائب، وأن هذا الإصلاح لن يضيف أي منعكسات تضخمية للاقتصاد، طالما لم يتم التمويل من خلال إصدار المزيد من أوراق النقد لتمويل هذا الإصلاح.
تمام ضاهر