الوحدة: 28- 9- 2020
يعتبر التقرير الطبي الشرعي من أخطر التقارير الطبية وأكثرها أهمية، حيث تختلف التقارير الطبية باختلاف كاتبها وزمن كتابتها، ويكون محرر التقرير طبيباً، لذلك يسمى تقريراً طبياً، فلا بد أن تكتب التقارير والشهادات الطبية بحذر ودقة مع إثبات المعلومات الصحيحة على واقعيتها حتى لا يقع الطبيب تحت طائلة المسؤولية، وذلك تجنباً للعقوبات التي نصّ عليها القانون، وأمام ذلك لا يجوز لأي طبيب إعطاء تقرير طبي بطريقة المجاملة أو التجارة (مادية بحتة)، لإظهار عاهة أو مرض معين.
اليوم سنتحدث عن أهمية التقارير الطبية، ومدى تأثيرها في الحياة العامة والدوائر الحكومية والدعاوي القضائية، وما يندرج على عاتق محرريها من مسؤوليات تجاه مضمون التقرير والأدلة الواقعية على اعتبار أن كافة الجهات تأخذ بمضمونها وتقوم على معالجتها وفقاً للأصول القانونية, ففي حال اكتشاف التزييف في التقارير الطبية ماهي الآليات المتبعة للتعامل معها؟
وكيف تحدد المسؤولية الطبية عند إعداد تقرير طبي لا يتناسب مع الواقعة؟ وماهي القوانين التي تنص على إعطاء تقارير طبية غير صحيحة والعقوبات المنصوص عليها حيال ذلك؟!
وللإجابة على كافة الأسئلة المتعلقة بهذا الأمر والوقوف على تفاصيله بشكل مفصل التقينا الدكتورة منال جدع، رئيسة الطبابة الشرعية في اللاذقية، التي حدثتنا عن ذلك بالقول: التقرير الطبي هو عبارة عن شهادة تشرح الإضبارة أو الحالة المرضية للمراجع، وبالتالي يمكن لأي طبيب بشكل عام أن يعطي تقريراً بحالة المريض ويكون مسؤولاً عن كتابته، وتزداد المسؤولية عندما يصدر التقرير بناء على تكليف القضاء، ويجب أن يتضمن التقرير:
– اسم الطبيب واختصاصه وعنوانه.
– اسم المريض أو صاحب العلاقة مع التأكد من شخصيته.
– بالنسبة للتقارير الطبية المرضية يجب التنويه أنها أعطيت بناء على طلب المريض.
– بالنسبة للتقارير القضائية دائماً توجه إلى جهة محددة.
– توقيع الطبيب، تاريخ التقرير.
إن هذا التقرير يعد وثيقة قد تسبب في ملاحقة الطبيب أو سجنه إذا ثبت عدم صحة التقرير عملاً بأحكام المادة ٤٥٥ من قانون العقوبات التي تنص على: معاقبة من أقدم في حال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة أو مصدقة كاذبة معدة لكي تقدم إلى السلطة العامة، أو من شأنها أن تجر على غير منفعة غير مشروعة أو أن تلحق الضرر بمصالح أحد الناس بالسجن من شهر إلى سنتين، ومعاقبة من اختلق بانتحاله اسم أحد الأشخاص المذكورين وزور بواسطة التحريف مثل هذه المصدقة عوقب بالحبس من شهر إلى سنتين.
وإذا كانت المصدقة الكاذبة قد أعدت لكي تبرز أمام القضاء أو لتبرير الإعفاء من خدمة عامة فلا ينقص الحبس عن ستة أشهر.
كما ويجب كتابة التقارير الطبية التي ستقدم إلى الجهات الرسمية على أوراق خاصة ذات قيمة تعدها وتوزعها فروع نقابة الأطباء، ولا تقبل هذه التقارير دون المصادقة على توقيع الطبيب لدى دوائر مديريات الصحة، أما التقارير الطبية الشرعية التي تكتب بناء على طلب من السلطات القضائية أو رجال الأمن فلا يشترط كتابتها على الأوراق المذكورة، فالتقرير الطبي الشرعي هو الخبرة التي يقدمها الطبيب الشرعي مكتوبة للقضاء بناء على طلبه أو طلب من يمثله.
كيفية صياغة التقارير الطبية الشرعية عند فحص الأحياء؟
التقارير الطبية الشرعية بهذه الحالة يمكننا تقسيمها إلى نوعين هما:
– التقرير الطبي الشرعي القطعي: وفيه ينهي الطبيب الشرعي تقريره لطلب المعاينة وذلك بإعطاء خبرته الطبية مبيناً فيه مدة التعطيل عن العمل ومقدار العجز إذا أدت الإصابة للعجز.
– التقرير الطبي الشرعي اللا قطعي: وفيه يحدد الطبيب موعد المعاينة الثانية لعدم استيفاء طلب المعاينة غايته المطلوبة في المعاينة الأولى.
وفي كلا النوعين من التقارير على الطبيب الشرعي أن يتثبت من الصفة.
ولفتت د. جدع إلى أنه لا يجوز إعطاء التقارير الطبية لشخص غير المريض أو المصاب جراء اعتداء فإذا كان المريض أو المعتدى عليه قاصراً يعطى التقرير للشخص المسؤول عنه قانونياً كالأب أو الأم أو الوصي عليه بحكم قضائي لأن إعطاء التقرير الطبي لشخص غير صاحبه بدون أذنه قد يعرض الطبيب للمساءلة القانونية، كما لا يجوز للطبيب أن يمتنع عن تحرير التقرير الطبي لأي مريض أو مصاب بناء على طلب النيابة العامة، ويجب أن تحتوي التقارير والشهادات الطبية على كافة الحقائق والمعلومات الصادقة عن حالة المريض على أن تقتصر هذه المعلومات على حالة المريض التي يراها أمامه، كما يتوجب على الطبيب ألا يتأثر بأي معلومة يحاول المريض أو ذويه ومرافقيه له الإملاء عليه بكتابة عبارات إضافية من شأنها الخداع والغش، وأمام ذلك يعتبر الطبيب شريكاً بذلك، فكل تقرير يضع عليه اسم الكامل مع الواقعة والتاريخ والتأكد التام من شخصية المريض أو المصاب من خلال البطاقة الشخصية أو الإثباتات الأخرى، فالحذر ضروري من إعطاء شهادات طبية عن مريض دون أن يراه الطبيب.
تزييف في التقارير الطبية
وقد حدثت عدة حالات سلبية جراء عدم مصداقية التقارير الطبية نذكر منها ما حدث مع المواطن جعفر جابر الذي قال: هناك لغط كبير في كتابة التقارير الطبية سواء كانت من أطباء مختصين أو عن طريق الطبابة الشرعية فالصبغة المادية طغت على بعض معدي التقارير، وكثيراً ما تغيب أحداث الواقعة وتكتب بطريقة سلبية لا علاقة لها بالأحداث الواقعة، فمثلاً منذ فترة حدثت مشاجرة بين ابني الذي لا يتجاوز عمره الـ (١٠) سنوات وولد تجاوز الـ (١٥) سنة، وبعد حوالي يومين فوجئنا بتبليغ من قبل عناصر الشرطة للحضور إلى القسم للاطلاع على المشاجرة، بالنهاية تبيّن أن الأب قد أتى بتقرير طبي مع عطل سبعة أيام، علماً أنه لا يوجد أي نوع من أنواع الكدمات أو إصابات الجسدية فتحولت القضية إلى المحكمة ليأخذ القضاء مجراه، فهل يعقل لمشاجرة أطفال أن تتحول إلى قضاء وشرطة والسبب وجود تقرير طبي مزور لا علاقة له بالواقع إطلاقاً، بعدها القضاء ترك الطفل بعد القيام بالمصالحة، وكثيراً من الأحيان تكون تلك التقارير عبارة عن استغلال مادي لقبض المال من الأهل، لذلك لا بد من وجود قوانين صارمة لذلك وتحميل كافة المسؤولية لمحرر التقرير مع ذكر الواقعة والأسباب التي أدت إلى كتابة التقارير بشكل من الأشكال السلبية.
الأسس القانونية المتبعة في تحرير التقرير الطبي
لمعرفة رأي المحامين فيما يتعلق بالتقارير الطبية والشرعية والأسس القانونية المتبعة في تحريرها وكتابتها وفقاً للشروط القانونية حدثنا المحامي قيس محفوض:
التقارير والشهادات الطبية تنجز بناء على طلب الأفراد أو بعض الجهات التي يخولها القانون إمكانية الاستعانة بذوي الاختصاص من مسطرة التقارير والشهادات وعلى هذا الأساس كان علينا البحث في مفهوم وبنية التقارير والشهادات الطبية كونها تعتبر وسيلة من وسائل الإثبات في الميدان القانوني للمحاكم، وانطلاقاً من ذلك كله التقرير الطبي هو شهادة طبية مدونة والغاية منه جلاء الحقيقة وهو ذو أهمية كبيرة في إصدار الأحكام القضائية كونه يعتبر وثيقة رسمية من وثائق الدعوى وعليه يجب أن يتميز التقرير الطبي بالوضوح والموضوعية على أن يكون مدعوماً بالبراهين الطبية العضوية والأدلة المادية لذلك لا يجوز أن يكون التقرير الطبي أو الشهادة الطبية وإن مجرد إبداء رأي دون سند أو حجة، ونحن كمحامين نستند على التقارير والشهادات الطبية الشرعية التي يدون عليها العلامات السريرية بدقة على أن توصف أعراض العنف والشدة دون قصور أو تشويه والنتيجة في هذه التقارير هي الجزء الأهم ويجب أن تكون معللة ومستقاة من حيثيات التقرير.
وحول المبالغة في بعض التقارير أوضح بأن التقرير الطبي الخاطئ يفسد الغاية ويضلل القضاء ويخل بمجرى القضية ويحرف العدالة عن مسارها، لذلك يجب أن تبقى التقارير الطبية والشهادات الشرعية صادقة وسامية لا ترمي إلى الشبهات والظنون كون هذه التقارير بالغة الأهمية وذلك من خلال العلاقة السببية بين السبب المنتج والضرر الحاصل، فعلى محرر التقرير أو الشهادة أن يتحلى دائمٱ بالأمانة والنزاهة والموضوعية والحياد على ألا يكون متحيزاً من أي ضغط خارجي أو مادي، وأن يكون ملماً ببعض القضايا القانونية حتى يتمكن من فهم الغاية التي يريدها صاحب التقرير، لذلك يجب استجواب المريض عن كافة الحالات والإصابات مع معلومات عن الواقعة من خلال أسئلة مختصرة مثل كيفية الاعتداء عليه ونوع الأداة المستخدمة في الاعتداء وتثبيت هذه الأقوال في التقرير الطبي، وأقول أن أي طبيب يقوم بكتابة التقرير الطبي يكون مسؤولاً أولاً أمام ضميره وثانياً أمام القانون، فالطبيب هو الشخص الوحيد الذي توصل إلى كتابة الواقعة، دون زيادة أو نقصان حتى لا يقع تحت طائلة القانون.
بثينة منى