في هذه الأيام كثرت (الشوبات) والناس بحاجة للمثلجات.. وأبو نزار تحت الطلب

الوحدة 23-9- 2020

 

بين أرصفة انتظار السرافيس والناس يتململون عليها كباراً وصغاراً تحت أشعة شمس الصيف الوهاج، وأطفال يحيكون لعبهم على المقاعد وبين الأرجل والمداس، ليحوم بين ناظريهم ما يطرب القلب ويبهج الفؤاد ويسلب العيون التي تراقبه وهو يقترب وينادي (تعى بورد )، فيشد الولد بطرف والدته ويصيح بأعلى صوته (بدي بوظة) فتقف العربة أمامه بوجه صاحبها البشوش وهو يشده بناظريه ويكاد يمسكه بكلتا يديه أن يقترب, والأم لا يسعها وسط جلبة الناس ونقمهم على المواصلات والسرافيس والعيون تنكب عليها وترصدها حتى من بعيد إلا أن تذعن لأمر صغيرها بخجل واستحياء ولو لم يكن في محفظتها ما يكفي من النقود فإن الأمر يكون وكان.

أحمد الصغير ذو الـ (ست سنوات) يركض وراء بائع المثلجات ويتناول كأساً منها بطعم الليمون والبرتقال ويرجع لأمه ويقول بفمه المغطس بالكريما (طيبة كتير) وأمه تمسح له وجهه وترد عليه بوجه مكفهر (لا تلوث ثيابك).

أبو وحيد رجل كبير بالسن لا يستطيع تحمل الحرّ وقد أتعبه الانتظار، يصيح بالبائع أن يناوله كأساً بطعم الحليب، فيرضخ البائع لطلبه باستعجال ويناوله مبتغاه ويبادله الآخر بورقة من فئة المئتين.

تنظر في الكراج وسط الناس عربات بشماسي ملوّنة تسير على طريق السرافيس وتتخايل ومنها عربة أبي نزار، بائع المثلجات الذي استوقفناه في سؤال والكلام مباح في ظل ضجر يستملك منا النهار، وهو يجر (البسكليت الذي حوله إلى عربة جرارة  تحمل على عجلاتها عبوات حافظة للمثلجات، يشكو حر الصيف وتعبه الذي يراق فيه عرق الجبين والكل يبرد قلبه بكأس يحمله إليه بكل طيب خاطر وهو الظمآن، ولما اقتربنا منه منعنا من التصوير لخوفه على رزقه من عيون قد تتفتح عليه ويقول:

(بهالشوبات ما في غير المثلجات بطفي نارها، تعى بورد، نحن ناس على قدنا) موظف.. وقد دفعني، كما الجميع من ذوي الدخل المحدود، الغلاء وارتفاع أسعار مشتريات البيت وحاجات الحياة أن أجد سبيلاً للعيش وليس بيدي مهنة، فلم أجد غير بيع البوظة التي لا تتطلب علماً ولا دراسة وجدواها، بعد الدوام ممكن أن آتي إلى الكراج وسط جلبة الازدحام وعلى انتهاء دوام الموظفين وعودة الناس من الأسواق وأشغالها، حيث يكون جميعهم بحاجة لبعض الترطيب والتبريد، لكن ليس جميعهم يقدرون على الشراء .ويعتبرون البوظة اليوم فيها تبذير وترفيه وليست حاجة ضرورية للتغذية والعيش، إنما بالنسبة لنا مصدر رزق الأولاد والعيش، ليس فيها ذاك الربح الوفير لكن مستورة والحمد لله،  ورأسمال المشروع قليل ولا يتطلب أكثر من عربة صغيرة، فقد حولت البسكليت إلى ذلك ليخفف عني حمل عبوتين بنكهتين يتخير منها الزبون ما يرغبه ويطيب له، مع شمسية ملونة تقيني شمس الظهيرة الحارقة وأنا أتنقل من مكان لمكان لكن ليس أفضل من الكراج وقد أقصد الشاطئ في العطل وحتى أني أتجول في الأحياء لكن هذا قليل .

وهل تصنع المثلجات في البيت؟ يرد بقوله : من المؤكد لا أصنعها بالبيت فهي تكلف الكثير والفاكهة غالية الثمن وحتى الحليب والمنكهات كما أني لا أجيد صنعها، والأفضل أن أشتريها جاهزة وهي أوفر علي بالجهد والمصروف، حيث يوجد معمل لها في قرية البرج وآخر في حي كرم الزيتون، أخذ كيساً منها ب9آلاف ليرة لأعبئ البراد الصغير الذي بين يدي الآن وأشتري كاسات النايلون ب1500ليرة لأبيع كأساً مليئاً بالبوظة ب200ليرة، وأكثر من يطلبها هم الصغار هي مصدر سعادة لهم وحتى أنها تبهج الكبار إذا كانت الحال مقدور عليها، وإما سأعود للبيت ببضاعتي وقد يكون فيها الخسارة وفساد البوظة بالذوبان، وعندما يكون الحال بهذا الأمر أدفعها لصغيريّ اللذين يترقبان عودتي وأمهما أيضاً ويكون لهم فيها نصيب، وإن كانت الكمية كبيرة أضعها في براد البيت لليوم التالي لكن والحمد لله هذا لم يصير غير في بعض الأحيان القليلة، حيث هذه الأيام كثرت (الشوبات) والناس بحاجة للمثلجات، وأبو نزار تحت الطلب.

هدى سلوم 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار