أحلام ميداس…

الوحدة: 21- 9- 2020

 

ميداس يمد يديه ليلمس الخشب منعاً للعين فيستميل الخشب ذهباً ويحاول عبثاً أن يذوق شيئاً من الطعام فتستميل اللقمة ذهباً والعين يبهرها البريق الأصفر الذي لا تشبع منه وهيهات لميداس أن يجد طعم الراحة في الذهب الرنان لكنها أمنيته القاتلة وبعض الأماني تهلك أصحابها.

وإنه لأولى للقلب أن يمتلئ بحب الناس من امتلائه بحب الفرص الزائل والعارية المردودة عن قريب ومليارات الدنيا لا يمكن أن تعوض أباً شغلته أمواله عن فلذة كبده فأهمله حتى خسره ثم لما ضاع منه أجمل شيء في الدنيا كاد يجرجر أذيال الخيبة فليحتضن دفتر شيكاته وينم معه قرير العين وربما أنه حسد ميداس في الجزء الأول من الأسطورة.

ولأنه لا وقت عنده ليستمع إلى بقية الحكاية فسوف يظل يحلم بأنه ملك اللمسة السحرية التي تحيل الأشياء إلى ذهب وسوف يظل يعتقد في قرارة نفسه أن ميداس شخص محظوظ بينما هو في الحقيقة رمز للتعاسة لأنه إنسان بلا قلب وما فائدة كل ما يجمعه إذا كان لغير هدف فقد شاعت في أزمنتنا هذه أرقام لم نألفها من قبل فالناس لم يعودوا يتحدثون بالملايين بل المليارات وآن لنا أن نسأل أنفسنا ثم ماذا؟

وكيف هي الحياة التي نحياها لهدف واحد هو المادة ولا شيء غيرها والتي لا يهتم بعض الأثرياء إذا كانت من آلام المساكين ومن عرق الفئات المسحوقة التي لا يشعر بأنينها أحد وهي تعاني كل يوم وتحترق كل ساعة وما كان كافياً قبل عام لم يعد له قيمة الآن.

ولا يزال ميداس يلمس الأشياء ويحولها إلى ذهب في دورة حياة فقدت ملامحها فلم يعد فيها إلا اللون الأحمر سواء أكان دماً أم ذهباً وكانت الضحية المشاعر التي تبلّدت فصارت لا تشعر بالجمال ولا بالحب ولا تعطي قيمة للابتسامة البريئة على شفة طفل ولا بنظرة الرضا من عين محتاج ولم تعد الأبصار تتأمل إشراق الشمس ولا مغيبها بل الشغل الشاغل هو خطة ميداس السحرية لتحويل العالم كله بشجره وحجره وطيوره وفراشاته إلى عالم من ذهب ولا شيء غير الذهب وامتدت حمى الذهب إلى كل شيء يحيا بالناس وصارت الأشياء كلها مناجم لاستخراج الذهب بأية طريقة والمهم هو المزيد من الثراء والمزيد من المال.

ولا تزال خطة ميداس تعمل عملها ولا يزال العالم يئن تحت وطأة الباحثين عن الذهب بكل ألوانه الصفراء والبيضاء والسوداء ونهاية

كل ذلك محتومة إذ لكل شيء في الدنيا نهاية إلا المشاعر فهي ليست لها نهاية.

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار