العبرة الكبيرة كانت حريق العيسوية القديم.. محميات وغابات سقطت تحت لهب الجهل وسوء التعامل

الوحدة: 9-9-2020

 

الأرض المحروقة.. هو مصطلح روسي بامتياز، يستخدم خاصة في الحروب من قبل الدولة المعتدى عليها من خلال مشاركة جميع أبناء الشعب بحرق كل مقدرات الدولة لمنع الغازي من استخدامها والاستفادة منها في حال الاعتداء، وهذا ما حصل أثناء غزو نابليون لموسكو، حيث بقي فيها عدة أشهر يعاني وجنوده الأمرّين من الجوع والألم وقساوة الطقس، كما نفّذ هتلر ذات السياسة لإنهاك خصومه الأوروبيين عندما حرق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وفي حالنا ووضعنا الحالي حيث بدأت الطبيعة تقسو على سكانها من بني البشر وكذلك حيواناتها وطيورها بكل أنواعها، وما تعرضت له مساحات كبيرة من محمياتنا وأراضينا وأشجارنا المثمرة والمعمرة على مدى عدة سنوات متواصلة هو وضع شبيه بتلك الحروب، أبطالها قُساة وجشعون بكل شيء وحتى لو كانت لعنة الطبيعة وتغيرات مناخها، نتائجها الكارثية بدأت تدك مفاصل وأروقة المعنيين، حيث رُفعت الأقلام وجفّت الأفكار والمقترحات الرادعة لهذه الكوارث، وبالتالي كان من الطبيعي السعي والعمل على دراسة هذه الظواهر بجميع أبعادها من قبل أعلى الجهات المسؤولة، وإيجاد الوسائل والسبل لمنع حصولها أو على أقل تقدير مواجهتها بطرق علمية سليمة، حيث من الطبيعي لغابات ومحميات كمحمية الشوح والأرز في صلنفة أن تكون مزودة بكل وسائل الحماية والرعاية، فهي تراث طبيعي قائم بحد ذاته يتجلى بوجود أشجار معمرة تمتلك من السنين المئات وتفترش مساحات كبيرة من الجبال والهضاب، وهي محمية بيئية ذات طابع علمي الهدف من إنشائها وتبنيها هو الحفاظ على الأنواع الكثيرة من الأشجار والحيوانات وحمايتها من الانقراض والعمل على استغلالها لأغراض البحث العلمي وتأمين مصادر دخل لسكان القرى المجاورة والمقيمين حولها، وتنتشر هذه المحمية على نحو أكثر من ١٠٠٠ هكتار من غابات الأرز والشوح وتتوزع مساحتها على عدة جبال وهضاب، وهي غنية بأنواع عديدة من الفصائل النباتية، بالإضافة إلى الأشجار الخشبية وأنواع كثيرة من الأعشاب والحشائش ذات النفع البشري، كما تضم أشجار مثمرة نادرة مثل الإجاص البري والتفاح البري والمحلب والزعرور وخوخ الدب وتضم أيضاً أشجار العذر واللزاب والشوح والأرز والبلوط والشربين، وتعيش على هذه المحمية أنواع متعددة من الحيوانات كالذئاب والثعالب والأرنب البري والسنجاب والغزلان والإيل الأسمر والخنازير وفأر الغابات والخلد والقنفذ، كما أن هذه المحمية هي موطن مهم لحيوانات كانت في طريقها إلى الانقراض كالنمر السوري والدب البني السوري المختفي عن الظهور حالياً وأنواع كثيرة من الطيور، ولهذه المحمية دور كبير في عودة الروح والسكينة للناس والمصطافين والضيوف من خلال التمتع بمناظرها فهي راحة للعيون والمجاري التنفسية وتفريغ الطاقات السلبية التي ترافق الأمور الحياتية كضغط العمل وأضواء المدن، كما يمكن التمتع بمناظر قممها وأريافها المجاورة كعين البيضا والبارد وباب جنّة وجب الغار وجب الشوح وقرى وسهول مناطق الغاب.

وكان يجدر بوزارة الزراعة وهي الضامن الراعي لبقاء هذه الغابات القيام بزج إمكانيات جيش من العمال والموظفين لرعاية وحماية هذه الثروة وتضافر جهود المعنيين لمحاربة شذّاذ الطبيعة من بني البشر ذوي الطبع الأناني، والعمل على مكافحة صُناع الفحم ومحاربة ومنع مزاولة هذه المهنة، وكذلك الاتجار بها وسن قوانين رادعة لكل مخالف ومعتدي على الأماكن العامة وما تحوي.

فهذا الغطاء النباتي الذي يتعرض للحرق باستمرار هو ثروة طبيعية منحها الله لخلقه لتكون عوناً له من خلال جماليتها التي تنعش الأرواح وخشبها وثمارها متعددة الفوائد، والاقتداء بمحمية النبي متى في جبال مدينة الدريكيش، من خلال التشدد على الزوار بقصص إشعال النيران والمحافظة على الملك العام، حيث تفترش هذه المحمية مساحة ٦٥٠ هكتاراً من الصنوبريات بأنواعها والكستناء والروبينيا وأنواع متعددة من الطيور والحيوانات، يضاف إلى ذلك وهو المهم وجود مخفر حراجي وعناصر إطفاء خاصة بالمحمية، مدربين بشكل جيد للتعامل مع أي حادث أو حريق يلحق بالغابة إضافة إلى وجود صهاريج مياه وجرار زراعي وخطوط نيران تؤمن وصول الآليات إلى كامل مساحة المحمية، وبالتالي هذه الغابة محمية تماماً من عبث النيران وتمددها.

هذا وقد وقع الفأس ولا يسعنا إلا العمل على التعويض وبالسرعة الكلية، فما طال بيئتنا من حرائق شأنه شأن ما حصل لبيروت في الأمس القريب، من حيث تعدد الخسائر وتنوعها، فالمجالات مفتوحة لأصحاب الخير والبرّ البيئي قبل الإنساني للتبرع ومساعدة المتضررين والوقوف مع المؤسسات الحكومية لاستيعاب تلك الخسائر بما يلزم وزج الطاقات لإعادة الحياة لهذا المتنفس وغيره من المناطق المنكوبة وتحديداً في مناطق البسيط وصلنفة، من خلال توزيع الأدوار والمهام لأصحاب الهمة والضمير الحيّ، كالقيام بتسوية الأراضي وتأمين الغراس بأنواعها وتفضيل المثمر منها وتحديثه كإضافة الأشجار الاستوائية والكستناء والنخيل والصنوبريات ذات المردود المادي وتقديم سيارات الإطفاء وحفر الآبار، وما حصل من حرائق التهمت مناطق شاسعة من غابات العيسوية أكبر دليل على عودة الروح لتلك الجبال التي بدأت تتشكل غاباتها من جديد وإن طالها مرة أخرى الحريق في بعض مفاصلها، فذكر فإن الذكرى تنفع.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار