الوحدة 25-8-2020
تراجع مستوى معيشة المواطن السوري وتدهور حالنا الاقتصادية والإحباط الذي أصابنا دفعنا للسؤال عن سبل النجاة وكان الجواب عند الدكتور فادي عياش كبير المستشارين في المجلس الاقتصادي السوري الأوروبي، عضو اللجنة الاستشارية للمكتب الاقتصادي حيث قال: عمق الحصار والعقوبات الاقتصادية من حجم الأضرار والآثار على الاقتصاد السوري لا سيما تقلص وتراجع الصادرات بالإضافة للركود والتضخم وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية وزيادة الأعباء والتكاليف على الإنتاج المحلي، وهذا ما أدى إلى تراجع خطير على مستوى معيشة المواطن السوري وينذر بمنعكسات خطيرة على مستوى الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وجاءت المتغيرات الأخيرة لتعمق جراح الاقتصاد السوري لا سيما تشديد العقوبات على الحلفاء وخصوصاً إيران والتنافس المحتدم والمحموم بين الصين والولايات المتحدة وعدم استقرار المحيط الإقليمي من العراق إلى الأردن ومصر ولبنان ويضاف إلى ذلك وباء كورونا الذي فرض وقيد الاقتصاد العالمي وتطبيق قانون قيصر لزيادة الضغط على الاقتصاد والشعب السوري وصولاً إلى التفجير الرهيب في ميناء بيروت.
هذا يبعث فينا الإحباط أليس من قارب نجاة بنصيحة خبير اقتصادي؟
رد الدكتور فادي وقال: بل لنا مرتكزات في خارطة النجاة الاقتصادي وهي: أهمية إعادة تحديد هوية الاقتصاد السوري، وأهمية تحديد الأولويات الاقتصادية يهدف تعزيز قدرة المواطن على الصمود والمقاومة ومن ثم تحسين مستوى المعيشة وذلك وفق التالي: (الزراعة والصناعات الزراعية التصديرية، ريادة وقيادة القطاع العام، المشروعات الصغيرة والمتوسطة) أهمية التعافي الاقتصادي للاستعداد لمرحلة إعادة البناء والإعمار بالغة الخطورة والضرورة، ضرورة تحسين القدرة لشرائية للمواطن السوري من خلال تحسين الدخل وليس زيادة الرواتب الاسمية كحالة إسعافية ترتكز على المقومات التالية: (إعفاء الرواتب والأجور والإيرادات بكافة أشكالها من كافة الاقتطاعات لفترة محددة ومحدودة لا تتجاوز السنة، تحديد دعم نقدي مباشر كمعونة توزع على البطاقة الذكية لكافة الأسر وفق معايير تراعي عدد أفراد الأسرة ومعدل الإعالة وحالات المرض والحاجات الخاصة ولمدة محدودة لا تتجاوز السنة أيضاً وحصرها في المواد الأساسية فقط) ضبط سعر الصرف من خلال (معالجة قضية التهريب بكافة أشكاله وخصوصاً التهريب عبر المنافذ الحدودية الرسمية بما يسمح بتقدير التكاليف الفعلية للمستوردات ويتيح إمكانية التسعير المناسب وتطبيق الفوترة وبالتالي ضبط الأسعار من جهة وتحقيق عائدات حقيقية للخزانة وضبط الطلب على القطع، ضبط السيولة في السوق وإعادة ترميم الثقة بأسلوب المثل المحتذى من خلال (زيادة الفائدة على الادخار حتى 20% بالليرة و6% بالقطع مع التعهد بالسماح بالسحب الحر، إنشاء مصارف استثمارية لإعادة توظيف فوائض السيولة في مشاريع استثمارية مجدية وذات أولوية وتشكل حافزاً للاستثمار الخاص وتسهم في كبح جماح الركود التضخمي) تمويل القطاعات الإنتاجية حصراً وفق أولويات محددة بقروض طويلة الأجل وميسرة بما يضمن عودتها للإنتاج والتشغيل الكامل، ضمان ثبات سعر الصرف لتمويل المواد الأولية اللازمة للصناعة حصراً لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر).
وماذا عن واقع هوية الاقتصاد السوري؟
حتى هذه اللحظة لم تفلح أي حكومة سورية في إنجاب هوية اقتصادية انعكست إيجاباً على عموم المجتمع، وعندما كانت سورية عبر دستورها القديم تتبنى وتنتهج اقتصاداً مركزياً مخططاً وكانت الدولة هي الأب والأم والمسيطر والمتحكم في كل تفاصيل الحياة الاقتصادية (الدولة الراعية أو الأبوية) ساد شعور عام عن غياب العدالة في توزيع الدخل ومن كثرة مظاهر الفساد التي أنهكت الحكومة والمواطن على حد سواء وفي نهاية المطاف فشل هذا النهج في خلق حراك اقتصادي تعج حوامله الإنتاجية والتسويقية والاستثمارية والاستهلاكية بألوان النجاح على الرغم من النتائج الجيدة على مستوى القاعدة الإنتاجية والبنى التحتية الأساسية ومستوى الدور الاجتماعي للقطاع العام.
وبعد ذلك تم اعتماد نهج اقتصاد السوق الاجتماعي وما زال هو المعتمد رسمياً حيث لم يصدر أي قرار لخلاف ذلك، واعتمد على أنه الحل الممكن لإنقاذ المجتمع السوري من براثن الفقر والبطالة والفساد وضعف مستوى المعيشة وتأمين الانتقال المرن والمتدرج إلى اقتصاد السوق الحر عبر مرحلة انتقالية تمتد عشر سنوات بما يضمن تجنيب المجتمع مخاطر الانتقال المفاجئ (الصدمة) ولكن لأسباب موضوعية عديدة وأخرى تتعلق بسوء التطبيق مع مؤثرات سلبية خارجية أدت لنتائج غير مرضية حسب ما كان مخططاً لها، على سبيل المثال رغم نمو الناتج الإجمالي المحلي من قرابة 18 مليار دولار عام 2000 إلى ما يزيد عن 60 مليار دولار عام 2010 (رغم كل الظروف غير المواتية في البيئة المحيطة من الحروب والأزمات السياسية والمالية والمناخية، وتحقيق معدل نمو وسطي بمعدل 5،2% إلا أن ذلك لم ينعكس تنمية على المستوى الكلي ولست هنا بصدد تحليل الأسباب.
هوية الاقتصاد السوري والمستقبل: لماذا يبدو من الأهمية بمكان ونحن على أعتاب مرحلة إعادة البناء والإعمار صياغة هوية ونهج اقتصادي واضح المعالم والأبعاد؟
من البداية نعتقد بضرورة ترتيب الأوليات وفق التصور التالي:
ضرورة تحديد هوية الاقتصاد السوري بشكل محدد وواضح لا يقبل التأويل في دستور الجمهورية العربية السورية.
ونقترح أسلوب (اقتصاد التشبيك الذكي) وهو القدرة على الاستثمار الأمثل لكافة الموارد المتاحة والمحتملة بفاعلية كبيرة لتحقيق التنمية الذكية بكفاءة عالية تفوق الاقتصادات المنافسة وذلك من المرة الأولى وفي كل مرة.
الزراعة والصناعات الزراعية التصديرية هي حامل التنمية الذكية الشاملة والمتوازنة والمستدامة في سورية حيث يحقق القطاع الزراعي المزايا التالية: القدرة العالية للتعافي وسرعة العودة للإنتاج، تتوافر كافة المزايا النسبية في قطاع الزراعة والفرصة متاحة لتحويلها إلى مزايا تنافسية وتحقيق قيم مضافة عالية من خلال التصنيع والتصدير للمنتجات الزراعية المصنعة، القدرة العالية للتشبيك مع الصناعة والنقل والتجارة الخارجية والبحوث وغيرها من خلال مفهوم العناقيد الصناعية على مستوى مدخلات ومتطلبات الإنتاج الزراعي ومخرجاته، تعد أهم مكون لمفهوم الأمن الغذائي والمائي وهما من ركائز الأمن الوطني، ريادة وقيادة القطاع العام لمرحلة البناء والإعمار مع التأكيد على أهمية مساهمة ودور القطاع الخاص لا سيما تعزيز وتطوير مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي وتفعيل مساهمته في تحمل المسؤولية الاجتماعية وضرورة التشاركية الاقتصادية بين كافة مكونات وموارد الاقتصاد السوري، (مع التذكير أن التشاركية لا تعني المشاركة ولا تعني الخصخصة وتستهدف جذب وتوجيه الاستثمارات المحلية وعلى وجه الخصوص الخارجية منها في خدمة التنمية الذكية).
المشاريع الوطنية الصغيرة والمتوسطة رافع التنمية الأساسي خلال مرحلة إعادة البناء والإعمار، ويطغى على الاقتصاد السوري نمط الشركات الصغيرة والمتناهية في الصغر وقد بلغ العدد الكلي للمنشآت الخاصة القائمة في سورية عام 2010 حوالي 619 ألف منشأة خاصة تنتج هذه المنشآت ما قيمته 19مليار دولار (قرابة 30% من الناتج الإجمالي المحلي) وتبلغ نسبة المنشآت التي يعمل بها عامل واحد أكثر من 67% من مجموع المنشآت بينما لا تزيد نسبة المنشآت الكبيرة (بالمقاييس المحلية) التي يعمل بها عشرة عمال وأكثر عن 0,7%
إن الفكر الإداري والتنموي والتخطيطي والاستثماري الذي كان سائداً وبفرض أنه كان سليماً ومفيداً وفعالاً قبل الأزمة وحتى أثنائها لن يكون فعالاً وناجحاً بذات المستوى في مرحلة إعادة البناء والإعمار بعد الحرب التي ستكون مختلفة واستثنائية لأن خصائصها وملامحها ستحددها ظروف ومخرجات حرب بكل ما لهذه الكلمة من معنى وبالتالي ستكون بطبيعتها وحدودها وعمقها وأركانها مرحلة استثنائية على المدى القصير وخططاً واستراتيجيات ورؤى استشرافية على المديين المتوسط والبعيد خاصة وأننا نتحدث عن إعادة بناء اقتصاد متضرر بشدة ويعاني من اختلالات هيكلية أهم موارده الإنتاجية المادية متضررة كماً ونوعاً وعلى رأسها عنصر رأس المال الاجتماعي والمادي اللازم لتمويل مرحلة إعادة البناء والإعمار.
تحديات إدارة مرحلة إعادة البناء والإعمار
تواجه هذه الإدارة تحديات خطرة للغاية منها: الزمن اللازم لإعادة البناء والإعمار (السرعة في الإنجاز والدقة في الجداول الزمنية) الفاعلية والكفاءة والتي تعني الإصلاح الاقتصادي والإداري ومواجهة الفساد وضبط الهدر والمسؤولية وتمكين المؤسساتية واعتماد التخطيط الاستراتيجي ليكون القطاع العام قادراً باقتدار على قيادة مرحلة لإعادة الإعمار والبناء، إمكانات ومصادر وتكاليف التمويل وإدارته، مواجهة المشاريع البديلة المعدة من قوى التآمر الخارجية.
وماذا عن الحل والتوصيات؟
في هوية الاقتصاد السوري هي منهجية (اقتصاد التشبيك الذكي) وهو نموذج يكامل بين اشتراكية القطاع العام لضمان العدالة الاجتماعية وتقديم الخدمات الأساسية وبين ليبرالية قطاع الأعمال والاستثمار الخاص بما يضمن مساهمته الفاعلة والمتوازنة في تحقيق التنمية الذكية وفق الأسس التالية:
تخطيط (ذكي) استراتيجي مركزي بالمفهوم التنموي وليس التوجيهي، قيادة وريادة القطاع العام السليم والمعافى للقطاعات السيادية الاستراتيجية وتأمين البنى التحتية الأساسية مع تعزيز التشاركية مع قطاع الأعمال الخاص، الإدارة المحلية لتحقيق التنمية المحلية على مستوى الأقاليم والوحدات الإدارية وتعزيز مساهمة المجتمع المحلي، الزراعة والصناعات الزراعية التصديرية حامل التنمية الرئيس، المشروعات الصغيرة والمتوسطة رافع التنمية ومحركها، حماية (ذكية) للمنتج الوطني، دعم المخرجات عوضاً عن دعم المدخلات وتطبيق الدعم المباشر (النقدي) عوضاً عن الدعم غير المباشر (العيني) لتحقيق العدالة الاجتماعية، المعرفة والمحتوى المعرفي ميزة تنافسية هامة للمجتمع والاقتصاد السوري، الموقع الجغرافي الهام ميزة نسبية تسمح بتحقيق مزايا تنافسية هامة تتيح الفرصة لتعزيز التموضع الجيوسياسي لسورية، إعادة التوجه غرباً مع الاستفادة من فرص التوجه جنوباً مع تعزيز التوجه شرقاً واستعادة الأسواق العربية التقليدية للمنتجات السورية، إعادة الإعمار تعتمد على التمويل الذاتي (المقيم، المهاجر) ومساهمات الدول الحليفة والصدقة، مع الاستفادة من الوضع الانتمائي المريح وتأمين التمويل عبر الاقتراض الأمن بمعايير السيادة الاقتصادية عبر المنظمات والمؤسسات المالية الدولية (عند الضرورة) ضرورة تحديد الهوية الاقتصادية للاقتصاد السوري ضمن الدستور السوري.
هدى سلوم