الحلول موجودة إن أردتم ذلك…

الوحدة: 23-8-2020


 

صدق فرع سادكوب في اللاذقية عندما أكد في معرض حديثه عن طلبات البنزين الواردة إلى محطات المحافظة، فأي متابع للجداول التي يصدرها فرع المحروقات على صفحته الالكترونية، سيجد أن عدد الطلبات لم ينقص عن الفترات السابقة، بل تم تدعيمه في أكثر من مناسبة لتخفيف الضغط على المادة.

يتساءل الجميع: من يتسبب بأزمة البنزين في اللاذقية إذا كانت الطلبات لم تتغير، ولم يحدث أي شيء خارج عن المألوف يدعو إلى زيادة حركة السيارات العاملة على البنزين؟، ولماذا نرى هذا الإقبال الكثيف على محطات الوقود؟، ولماذا يسارع الناس إلى ملء خزانات سياراتهم، حتى ولو كانت ناقصة ليتراً واحداً؟.

لكي نجيب على هذه الأسئلة يجب أن ننتبه إلى محيطنا، وتحديداً إلى المحافظات المجاورة، وعندها سنعرف أن الطلب الزائد على البنزين سببه الرئيسي هو الاتجار به ونقله إلى خارج المحافظة، وبلا ريب نستطيع القول أن أزمة البنزين التي عصفت بمحافظة حماة (مثلاً) في الأسابيع والأشهر الماضية هي التي دفعت كثيرين لنقل المادة من اللاذقية إلى حماة (وأبعد من حماة) عبر عبوات بلاستيكية وما شابه، وكما نعلم، ترفع حدة الطلب على المادة من سعرها، ويصبح الاتجار فيها (محرزاً).

كيف يمكن ضبط المادة؟

صراحة، لا يمكن ضبط المادة بشكل محكم إلا إذا اتُخذت قرارات صارمة، ستخلف ضحايا لا علاقة لهم بالمتاجرين، فنحن نعرف أن مخصصات معظم السيارات الخاصة هي ٤٤٠ ليتراً من البنزين (حر، مدعوم)، وهذه الكمية لن تُستهلك فعلياً من أغلبية أصحاب السيارات، وبالتالي لن يمانع كثيرون إن باعوا قسماً من المخصصات بسعر عال لتحقيق مكاسب مالية قد يعوضون من خلالها فرق البنزين الحر عن المدعوم، مما يفاقم حالة الازدحام، ويجعل الطلب كبيراً على المادة، وتصبح الأكثرية محتاجة لجميع المخصصات، فتصريف المادة متاح، وهنالك عشرات المنتظرين لشرائها بالسعر المطلوب.

إذا، لا يمكن الحد من الإقبال على محطات الوقود إلا بتقليص المخصصات مؤقتاً، أو توسيع المدة الفاصلة بين التعبئة والأخرى، إلى حين انتهاء الأزمة في معظم المحافظات السورية، مع التأكيد على منع تعبئة المادة إلا في خزانات السيارات، لتصعيب الأمر على المتاجرين.

هذا الإجراء قد يخلف أضراراً لدى بعض المستفيدين الفعليين من المادة، ولكن شركة المحروقات (سادكوب) مضطرة لاتخاذ تدابير صارمة بغية الحد من هذه الفوضى، فالمجتمع دائماً يذهب ضحية لمن يتاجرون بأي شيء متاح، ومن الظلم في مكان أن ينتظر مواطن صالح لساعات على محطة وقود بسبب جشع أو فساد مواطن آخر لا يوفر فرصة للمتاجرة بحقنا في الراحة من عناء الانتظار.

لا بد من التنويه إلى أن زيادة الطلبات المخصصة للمحافظة لن يغير الواقع كثيراً، أقله في الفترة الحالية، فرغم أن زيادة الطلبات ستخفف الازدحام بعض الشيء، لكننا على يقين شبه مطلق بأن السوق سيلتهم أي كمية إضافية، ولن تنعكس إيجاباً على المواطن الحالم بملء خزان سيارته بيسر وهدوء.

في مكان ما كنا أمام فئات محدودة تتجار بالوقود،وتعمل على تهريبه، ولكننا اليوم أمام حالة انتشار كبيرة للمتاجرين، وهؤلاء يجدون حجة تلامس الواقع، ويبررون عملهم بالحاجة لما تدره عليهم هذه التجارة البسيطة، فمنهم من يعتبر أن قليلاً من الربح قد يسانده في تحمل أعباء الحياة المستجدة، ولكنهم يتجاهلون أنهم يحققون بعض الربح على حساب راحة الآخرين، ويربكون مؤسسات الدولة وخزينتها في البحث عن مصادر إضافية للوقود تحت وطأة الحصار والعقوبات.

جدير بالذكر أن معظم الأزمات التي تعصف بنا، نحيلها بشكل (أتوماتيكي) إلى تقصير الجهات الرسمية، ودائماً نغفل دور فئة منا في صنع هذه الأزمات، ومضاعفة تأثيرها على الجميع، فمن يرخص لنفسه السطو على مخصصات أخوته في الوطن لأجل الكسب غير المشروع، لا يقل سلبية عن أولئك الذين يقطعون الماء عن الحسكة، ويحاولون إذلال أهلها، والفتك بهم.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار