الوحدة 19-8-2020
الشعر في صوت كراز الجبل ابتكار يستبيح الكلمات لتشكيل صور جديدة بالاعتماد على الخيال المحلق في الأعالي، وينطلق سحر الكلمات بلا تعقيد متكلف ولا تبسيط متزلف بعيداً عن التكرار البليد والصور المطروقة بنصوص صادمة مقتحمة تشبه اللطمات المباغتة التي تستحوذ على اللغة وتجري بها إلى أقصى مستويات المعنى وأبعد من اللغة ذاتها.
قصي ميهوب: تجربة شعرية هامة تمتد على مسار 21 عاماً من الكتابة، شاعر جريء الكلمة قوي العبارة حلو الديباجة، رنان الموسيقا عذب النغم، مشبوب العاطفة تدين له القافية وينقاد المعنى، غاضب على هذا الزمان يموج شعره بالثورة والعبير وتهب من أدواته أنفاس الجنة، يرضع قلمه حبر روحه ومحبرته التي ملأها بهوسه وجنونه الذي يناكده وشكوكه التي أدوت ببهجته، يقف على بئر الأسئلة ويمزق ستار الوهم وبقايا النائم فينا وانسداد الأمل والأفق بالضباب الكثيف محملاً قصائده المعاني والصور الجميلة عن الحب والرفض والأم والأرض والتجديد في الأسلوب والبحث عن الجديد.
(صوت كراز الجبل) ديوان يتوزع على 111 صفحة من القطع المتوسط – منشورات دار بعل 2020 يحتضن بين دفتيه ثماني قصائد تفعيلة وإحدى وعشرين قصيدة زجل بلغة صاخبة في دهشتها ورنة إيقاعها ووقعها محشوة بالكلمات والصور وألوان وتشكيلات شعرية نافرة في استنطاق خفي للغة بعيدة عن لغة القواميس تروي معاناة ومكابدات شديدة التوتر بعلاقاتها المتنوعة والمتغيرة والمتآلفة والمنسجمة تارة والمتنافرة والغرائبية المحيرة تارة أخرى.
الكلام في المرأة والحب والعشق هو بحث عن الفردوس المفقود الذي يعطي الحياة معنى وجمالية، ولا تخلو قصيدة من قصائد قصي ميهوب من الاحتفاء بالمرأة الحاضرة في كل أسرة ومجتمع والشخصية المهمة في رسم معارج حياتنا، المخلوقة العجيبة كلوحة فنية غاية في الجمال لا ندري من أي شيء خلقت ولا بأي سحر مزجت، كيان متكامل من العواطف الجياشة والأحاسيس الرقيقة والمشاعر الملتهبة تنضح الأنوثة من كلامها وحديثها وهي تتمايل كترنيمة حب دافئة، وحين تعزف على أوتار قلبها ترسل ألحاناً مفعمة بالحب تخرج الغافي والخافي داخل الرجل وتجعله يرى الحياة من منظور جديد، يقول في قصيدة فن المرأة:
المرأةُ الفنُّ:
الرسم صورتها…
والروح موسيقا..
حركاتها التمثيلُ…
صوتها الشعر …
حتى تفتحَّت فينوس. ص16
العواطف أسمى عناصر الطبيعة الإنسانية نبلاً، والمشاعر قدر لا بد منه، ولا بد أن تجد طريقها للبوح، فالحب بلسم الحياة وبهجتها، سر جميل يقرب القلب من القلب وحمل جميل ذو مقبضين خلق لتحمله يدان تحلمان بالأماني العذاب له شذاه وأسراره الخاصة وجمال معانيه وعسله الشهي الذي يضخ الفرح في القلوب، يتسلط على الإنسان ولا سلطان عليه ولولاه لبقي الإنسان صخرة صماء في جرود الحياة.
الشاعر يحمل في باطنه الحب للمرأة الذي وشمه أزلياً في حنايا قلبه، تهتاج روحه وتسمع تنهيداته وزفير أشواقه وقيثارة روحه وهي تعزف أبجدية الحب والصلاة في محراب عينيها، يقول في قصيدة الكرَّاز:
و يا ندى القرنفل..
فوحي بعطرك غلغلي …
من شرفة النهد احصدي …
هذي الليالي وغربلي …
وتبرجي بالحب …
آلهة الجمال المخملي . ص26
الزجل شعر غنائي عامي أول ما نشأ في الأندلس ومنها انتقل إلى المغرب العربي ثم إلى المشرق، وهو أحد أحدث أشكال الشعر العربي الغنائي باللهجات المحكية لكل بلد أو منطقة جغرافية … في قصيدته الزجلية (يا أمي) يتحدث الشاعر عن الخيانة وخاصة خيانة الوطن التي تعتبر من الكبائر، الخونة يعانون من وهن قيمي وأخلاقي، ثلة ساقطة تعاني انهزاماً روحياً وانفصاماً وطنياً وغباء وجودياً، ضمد حب الوطن في قلوبهم وانسلخوا عن عروبتهم وباعوا وطنهم وارتدوا عباءة العبودية وانبطحوا في خندق العدو وانجروا وراء مصالحهم الشخصية وأطماعهم وأحقادهم ويبتكرون قيم وطنية وأخلاقية منحطة
تناسب أهواءهم وميولهم، يلعبون ويصطادون تحت عناوين كثيرة- الحرية الفردية- المتاجرة بالرأي والأهداف والشعارات والمصالح:
وشو بدي..
خبرك بعد التنائي..
كنتي فرحتي ودهري سرقها..
عن إخواتي..
اللي أقسى من أعدائي..
ع سورية بطوائفها وفرقها. ص92
في قصيدة (ديانة الشاعر) يناقش قضية المرأة في ظل العقائد السلفية والتطرق والتكفير التي تدعو إلى القحط واليباب واليباس عقائد قمعت المرأة وانتهكت حقوقها وجعلت منها نصف إنسان وتعاملها كجارية لا حقوق لها ووضعها تحت ولاية الرجل في ظل سيادة أنظمة ذكورية قمعية تتفنن بإهانة المرأة والحط من كرامتها ومعاملتها معاملة دونية عنصرية، وحسب المنطق الفقهي الوهابي المجرم فإن المرأة هي ملك يمين، ومحرومة من الاختيار ويجري إكراهها على الزواج بمن يريده ولي الأمر:
ويلي راضيي تبقى حريمي..
بقانون الفتاوي المشيخاني..
جسدها بتاكلوا كلاب الوليمي..
بصواني رايحة وجايي صواني. ص 91
نعمان إبراهيم حميشة