الوحدة 18-8-2020
الحبُّ الَّذي عشته طوال عمري وما أزال، لا يُهَروِلُ في دمي إلّا لعشرة أيّامٍ في الشّهر, وبعدها أنشغل في البحث عن أدواتٍ ووسائل تُعينني في إحيائه والمحافظة عليه، ليكون صالحاً مع بداية شهرٍ جديدٍ، مثل راتبي ونوافذه المفتوحة، والّتي تنغلق تلقائياً بعد أنْ أفرغه خلال يومين، على قوائم الطّعام والخدمات والاحتياجات وأسباب العيش، فتتساقط أوراق الشّهر اصفراراً ويباساً!
ألتفتُ لزوجتي، لأجد القطيعة قد بدأت تسري شيئاً فشيئاً، مثل مسافرٍ أتعبتهُ الدّروبُ، فراح يتسلّقُ الجدران!!
وهكذا تتبعثر الأوقات بالمشاحنات، ثمّ تصعدُ غُباراً مُزعجاً، لكنّه ليس بالخماسينيّ وإنّما بالثلاثينيّ، إلى أنْ تكتمل أيّام قدوم الرّاتب، فتنتعشُ فينا الآمال الصّغيرة لإنجاز ما عجزنا عن تأمينه في الشّهر المنصرم.
بعد مضيّ أكثر من ثلاثين عاماً، هل ما زالت الأيّام الأولى من كُلّ شهرٍ هي… هي؟
الإجابة منبوشةٌ كالفضيحة، فقوائم طعامي اختصرتها اختصار الضّرع للحليب بعد الجفاف، والتّرحيب المتبادل ما بيني وزوجتي: تحيّةٌ نصفها للصباح، ونصفها الآخر للمساء، دونما النّظر إلى ومضةٍ تشرق، فالشمس لا تتوسّلُ ضوءَ القمر.
أمّا الأمراض فأوهمتنا كثرتها بأنّنا أصحّاء، وأما اللّقاء بأبنائنا فهو كالتّيّار الكهربائيّ الّذي يذهب ويأتي، فنميل إلى ملابسنا القليلة، وقد انقلبت لكثرة استعمالها على حالٍ من غياب الخطوط والألوان، وهي أشبه بالذّوق العام السائد لهذه الأيّام، فلا نميّزُ بين الكلام والصّمت، ولا بين الفرح والحزن هكذا نحن، فالأشجار الّتي لا تثمر تُعَمّرُ أكثر، و.. أوّل الشّهر صار كآخره، مع فارقٍ بسيطٍ، فبأوّله نلهث، وفي آخره تكاد تنقطع فينا الأنفاس.
سمير عوض