دمى وألعاب تنطقها مخيلة امرأة وتقول: يا رب

الوحدة: 16-8-2020

 


 

(لعبتي.. سميتها مها.. قلبي يحبها.. سمراء لعبتي.. بشعرها الجميل.. وثوبها الحرير.. فأوشكت تطير) بين يديها الصغيرتين التي حملتها مع والدتها إلى سوق الضيعة وانكبت معها تفك أزرار وعروات الأكياس لتخرجها وتداعبها وتعرضها على الطاولة بكل ما حملته من جمال وإتقان.

سيلفي صيّاد، في الصف الخامس أشارت أنها تساعد والدتها وهي التي تعلمت منها صناعة الألعاب، لكنها تختلف عنها في أنها تأتي باللعبة من السوق وتحيك لها الأثواب، ولعبتها التي اشترتها بالعيد خاطت لها تنورة قصيرة وبلوزة شيال، جميع رفيقاتها يحسدنها لامتلاكها ألعاباً كثيرة ولهذا لا تجد مناسبة لكل منهن إلا وتهديها لعبة لترى جميعهن فرحات، وترى الألعاب التي تصنعها أمها ليس أجمل منها بالعالم.

 (فرخ البط عوام) إذا كانت الابنة  تشتري اللعبة من السوق لتخيط لها الأثواب وتضع لها الإكسسوار والماكياج لتكون بأحلى حلة، فكيف بالأم تصنع الألعاب والدمى وتنسج جسمها وتغرز ملامحها وتحبك قصتها ليكون لكل منها لغتها وابتسامتها..

ما إن أفضت ما في أكياسها حتى سرقت نظرة وفؤاد كل من حولها وانكب جميع أهل السوق وزواره كباراً قبل الصغار على طاولة معروضاتها يتساءلون عن أسعارها وهم يبحثون بينها ويحملون لعبتهم لشخصيتهم المفضلة.

ماجدة عضيمة، امرأة أتقنت صناعة الدمى والألعاب بعد أن نسجت حلماً داعب خيالها حيث نحتت أشكالها ونسجت أثوابها بعناية فائقة وجودة لا توصف وتكاد تنطق بصورها فيها شخصيات كرتونية وأسطورية وممثلين وباربيات وكركوز ابن الحارة وعرائس وبعضها لحيوانات مألوفة، أشارت في لقائنا معها أنها تحب شغل الكروشيه الذي تعلمته من جدتها ولكنها لم تكتف بذلك وأرادت أن يكون لها شغلها الخاص لتطروه وتترفع به إلى نسج الدمى والألعاب بعد أن تقدمت بمراحل تعلمها لهذا الفن الجميل الذي يحتاج لمهارة عالية ويد فنان بمخيلة واسعة.

 هي  تحمل إجازة في الكيمياء التطبيقية وأخرى معهد طبي مخابر لكن زوجها رفض أن تعمل خارج منزلها وأرادها ست بيت تربي الأولاد وتهتم ببيتها، لكن ماذا يمكنها أن تفعل وتصنع بعد أن تقوم بكل واجباتها والنهار عندها طويل؟ سؤال جال بخاطرها لتنبش ما في نفسها من قدرات وأفكار وتزيد عليها ما خبرته في أيامها السابقات وتعلمته من جدتها ومن كورسات على النت واليوتيوب ليكون لها شغلها الخاص الذي لم يمانعه زوجها بل أعجبه الأمر وشجعها على العمل الذي تفردت به وكانت منتجاتها محط أنظار الجميع واهتماماتهم.

السيدة ماجدة  في البداية صنعت دميتها (مولي) لابنتها الصغيرة من بترون جاهز على النت لكنها اليوم لها رسومها التي تطبقها بكل سهولة لتجسد ما في خيالها من أفكار وأشكال وتنحتها ليس من حجر أو خشب صمّ فيها بل خيوط تدق مساميرها وتغرز قطبها فيها وتكور معالمها وتفاصيلها وترتق جسدها وتعمل فيه كما في مبضع جراح تجميل لتبدو بأحلى طلة.

قالت السيدة ماجدة: أسوق بضاعتي على النت ولها أصحابها في روسيا والصين ومصر وعدة بلدان، وأردت أن يكون لي اسمي في السوق المحلي لهذا تعرفت على أهل سوق الضيعة وليس لي غاية البيع أو مكسب مادي مثل ما أبغي أن يتعرف الجميع على صناعتي ويكون لي مكان بينهم، صحيح أن الألعاب غالية لكن إذا ما قارنتها بما يطرحه السوق ويعجّ بألعاب ومعظمها من البلاستيك الضار وغالية الثمن فإنها ستكون عادية وأقلّ منها، بالإضافة إلى أن كلفة صناعتها كبيرة فهي تحتاج للخيوط والأسلاك التي يفتقدها السوق المحلي في مدينتنا وإن وجدت فسعرها خيالي وأكبر مما في سوق طرطوس وحمص ولهذا أقصدها وأشتري ما يلزمني كما أن تركيبها ونسجها يحتاج لأسبوع وأسبوعين ويلزم مني  دقة عالية وتركيز وخيال ينبض بالجمال لتكون بالشكل الأمثل وفيه التناظر والسوية لتكون الأطراف بنفس القياس والسوية  وقوة يد لشد حبالها فتكون متينة وقاسية وحتى متحركة ولا تستطيع أن  تفتك بها يد طفل عابث، وفوق كل ذلك الوضع الاقتصادي للناس ولحاقهم تأمين لقمة عيشهم.

تعلّمت وأعلم بعض البنات على هذا الفن ومنه يمكن لأي فتاة أن تشتغل وتنسج  لنفسها مشروعها الخاص بها، هذا العمل هو أحد أشكال الفنون وأجملها، كما أني أجد فيه راحتي وسعادتي، لكن للأسف هذه المهنة ليس لها سوق في بلدنا كما في باقي البلدان، ولكن أقول: يا رب، وطموحي كبير.

 هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار