كورونا.. الفقر.. والأمل… معضلات أخلاقية قبل أن تكون تحدّيات حكومية

الوحدة: 16-8-2020

 


 

هي الحروب، تجرّ مآسي الزمان على كل شيء، تقنّع وجهها بالأسود المكروه، وتصرّ على إنتاج نوع من التفكير (الشيطاني) يكمن دورها إن وضعت في الميدان أسلحتها.

خضناها، كما تستحق سوريتنا الجميلة…

هي الحروب ترفض أن تمرّ دون أن تترك آثارها، ولكن عندما تكون هذه الآثار على الروح فإنّ وجعها أكبر بكثير!

لم تكتفِ بـ (الخربشة)، بل هي حرب حاولت تمزيق كل شيء، وبعثرة أماننا والاعتداء على ثقتنا بأنفسنا.

لا نقول إن الحرب ارتدت على عقبيها، فنكون كمن يضحك على نفسه، ولا نقول إنها فتكت بنا، فما زلنا نمارس الحياة ولو بالحدّ الأدنى من متطلباتها وهنا بيت القصيد…

هذا (الحدّ الأدنى) من متطلبات الحياة كيف نحافظ عليه، كيف نجعل منه أساساً لإعادة ترتيب بنائنا، من يحميه ويعززه، ويطرد الغربان والضباع بعيداً عنه، من نحن في هذه المعادلة، وما دورنا، وهل نقوم به؟

هل نستسلم لـ (الآه) ونفتح أفواهنا لـ (الريح) أم نحمل (المنكوش) ونسأل كل ذرة تراب عما يمكن أن تعطينا إياه؟

أما آن الأوان أن نتحرر من الشكوى ونقلّع (شوكنا) بأيدينا؟

من نافذة مكتبي في جريدة الوحدة – مدخل شارع الثورة – في مدينة اللاذقية يمكنني أن أرى ودون أن أتحرك من مكاني ثلاثة أبراج سكنية بدأ إكساؤها بأفخر أنواع الحجر.. لن أقارنها بـ (السكن الشبابي) لا شكلاً ولا مضموناً (ونيّال من عندو سقف ينام تحته) ولكن أحاول أن أسرق منها بعض الفرح، لا من أجل من سيسكنها لأنه بالتأكيد لا ينتمي إلى فقرنا، وإنما من أجل عشرات العمّال والورش في هذه الأبراج السكنية… (أي شغلهم ماشي والحمد لله)..

في مناسبة سعيدة ومع استحالة حضور المشاوي كما درجت العادة كان القرار مصيرياً… توجهنا إلى مطعم (التنور) المشهور بـ (فلافله في حيّ الزراعة باللاذقية) .. خمس سندويشات فلافل وخمس (قناني) عيران، ولا أحد يسألني عن الفاتورة، وليس هذا هو المهم، فقد انتظرت حوالي نصف ساعة حتى جاء دوري.. (وهنا الشغل ماشي والحمد لله..)

ختم صديقي موسمه الزراعي هذه السنة بـ (شقتين على العظم) ثمن كل واحدة منهما (8) ملايين ليرة سورية (دقّينا ع الخشب) ومع هذا كانت شكواه أكبر من الحمد..

باختصار إن أردنا الخروج من آثار ما نحن فيه فلا يجب أن نعوّل على خطط الحكومة (الخمسية) ولا على حلولها الإسعافية ولا يعني هذا أن تتقاعد الحكومة أو لا تقوم بأي شيء مما ذكرناه، بل معناه أن نشارك في هذه الحلول وأن نعتبر أنفسنا مسؤولين بشكل كامل عن تنفيذها في الإطار الشخصي..

ليس كلّ البريق للذهب، وما تستطيع أنت كشخص أن تنجزه في أيام يحتاج من (الحكومة) سنين طويلة، وحتى تتناول صحن (فتوش) دون أن تدفع أي ليرة فإن متراً مربعاً من الأرض بجوار بيتك قد يؤمن لك مستلزماته..

العودة للحياة البسيطة، وفك العقد الحالية، واستثمار كل ما هو متاح هو أول خيط الأمل بالعودة إلى راحة البال التي كنا نعيشها..

حاولنا الالتفاف على واقعنا المعيشي بإجراءات بسيطة لكنها مفيدة أو ستكون مفيدة يوماً ما، لكن كيف نلتّف على الواقع الصحي الطارئ الذي فرضه (كورونا) علينا؟

المعاناة هنا من نوع آخر، والدواء مختلف كلياً وأي طرح في هذا الإطار مقبول من وجهة نظر، ومرفوض من وجهة نظر أخرى..

الكمّامة ضرورية… الكلّ يتفق على هذا… تكلفتها للموظف إذا كان أبناؤه في الجامعة باهظة جداً، وهذا متفق عليه أيضاً!

التعقيم ضروري.. ليتر الكحول تجاوز العشرة آلاف ليرة… إذاً بلا تعقيم والله هو الحامي.. وقس على ذلك…

ويبقى الأمل.. انفراجة من عالم الغيب تعيد إلينا ذكريات أمسنا الجميل لكنها قد لا تأتي.

لا بأس ببعض (الفكاهة) نقفل بها هذا المقال:

تعاضدوا على الخير.. أحبّوا بعضكم.. فنحن العرب وعلى رأي غوار الطوشة مشهورون (بالإيثار وإغاثة الملهوف)، ودمتم بخير…

غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار