كورونا أيضاً!

الوحدة 12-8-2020

 

محاولات عبثية مع محيطك كي تقنعهم بأن كورونا استوحش، وبات يدق أبوابنا بعنف لا سابق له،فيصيبك الإعياء وأنت تشرح عن الخطر المحدق بالجميع، وقد أسمعت لو ناديت حياً.

جارنا مصرٌ على إقامة حفل زفاف لولده رغم كل التعاميم الصادرة بإغلاق صالات الأفراح، ويحلف أغلظ الأيمان بأن فرحه بابنه الأول لن يمر من دون طبل وزمر، و(مواويل) عتابا مهما كلفت القصة، نقول له: يارجل لا تغامر بصحة عائلتك وضيوفك، فيقول: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وفالج لا تعالج.

تستيقظ في منزلك على وقع تجهيزات نسائية لرحلة ما، فتسأل إلى أين العزم، ليأتيك الجواب على شكل ملامة: ألم تسمع أن أبناء فلان وفلان قد نجحوا في الشهادات؟، هل نسيت الواجب يارجل؟، فتقف عاجزاً عن التعبير، وتُرسم فوق رأسك علامات التعجب والاستفهام ، فتطرح أسئلة سريعة بينك وبين نفسك، وتضطر من شدة الحنق أن تطلقها للعلن، فتقول: كم عدد الأشخاص الذين سيترافقون إلى المباركات؟ وكم عدد أفراد أسرة كل مُبارك؟ وكم تناوب على زيارة منازل الناجحين قبلكم، وكم سيأتي بعدكم؟ ألن تعرضوا جميع عائلات هؤلاء للخطر؟، ألن تساهموا في خلق بيئة رطبة لنقل العدوى الى محيطكم؟، ومئات الأسئلة على هذه الشاكلة، ولا حياة لمن تنادي، بل أنت في نظرهم قانط من رحمة الله، ولا ترى إلا السواد، وهكذا دواليك!!!!!.

هذه النماذج المصرة على متابعة حياتها بشكل طبيعي، تتنطح للهجوم على مؤسسات الدولة لأنها لا تقوم بكامل واجباتها تجاه الانتشار التصاعدي للمرض، وتتهيأ مع كل المساء للتهكم على الاحصائيات المستجدة للإصابات، متجاهلين دورهم التشاركي في تنفيذ التوصيات الصحية العالمية والمحلية للحد من تفشي المرض، وهذه الفئات هي نفسها من كانت تتباكى على العاطلين عن العمل بسبب الحظر الذي طُبق قبل حين،

وكانت تطالب بفك الحظر لأن الناس جاعت، ونفذ مخزونها، وهم أنفسهم من يطالبون اليوم بإعادة تطبيق الحظر الكلي، وإعادة عقارب الساعة إلى الخلف.

لقد أثبت غالبية الناس أنهم لن يغيروا من عاداتهم، ولن يكبحوا جماح رغبتهم في التجمهر، وحضور المهرجانات، والرقص على طبول الحرب الفايروسية، وعندما تحل ساعة الحقيقية، لا يتهم هؤلاء أنفسهم باللامبالاة، بل يلقون اللوم على غيرهم، ويبرؤون ساحتهم بكل بساطة.

تقدم لهم فرضية واقعية، وتسألهم- إن أصيبوا بالمرض- عن توقعم لسلوك المجتمع معهم؟، وهل سيشاركهم أحد في المعاناة؟، أم سينأى الجميع بأنفسهم خوفاً من قبول العدوى وانتقالها إلى بيوتهم؟.

هنا تحشرهم في الزاوية و تتغير ألوان وجوههم، وتتأمل خيراً من ردة فعلهم، ولكننا نعود مع بداية كل يوم جديد إلى ذات الدوامة، ونفس النقاش العقيم، ولا يتغيروا قيد أنملة نحو حماية أنفسهم ،أو على الأقل اتخاذ اجراءات بسيطة عملاً بالعقل والمنطق.

تجاهلنا عمداً الحديث عن دور مؤسسات الدولة في فض اشتباك المتزاحمين على الأفران ،وصالات السورية للتجارة، ووسائط النقل العامة، والمراجعين إلى الدوائر الخدمية، لأن أبسط الأمور هي الحديث عن تقصير المسؤول في إيجاد الحلول، في حين لا يستطيع أحدنا ترك عادة بسيطة ليخدم بها نفسه وعائلته، ومن يضع نفسه في خانة المهمل لواجباته، يصبح محرجاً أمام طلب حقوقه، وتتحول المسألة إلى تقاذف أجوف للمسؤوليات، فيحضر المتنبي ليلقي علينا مزاميره البديعة بقوله:

لكل داء دواء يستطب به  إلا الحماقة أعيت من يداويها.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار