الوحدة: 27- 7- 2020
بدأ القلب يخفق داخل الجسد بشدة كأن خطباً ما ألمّ به، أخذت الأمعاء تلتف على نفسها وكأنها تمارس تمرداً إجبارياً فُرِض عليها، تلكأ الكبد في عمله مبدياً لا مبالاة غير معهودة، اعترى الخمول والتعب كافة العضلات، حتى الجلد تعرّق بشكل غير اعتيادي، كل أعضاء الجسد أصيبت باضطراب فجائي وأخذت تناشد ولي أمرها الدماغ بالكف عن مزاحه الإداري الممجوج، أجاب الدماغ: الموضوع لا علاقة له بإدارتي أو إرادتي فأنا وأنتم في مركب واحد، أنا أيضاً أعاني من أرق ليلي ونعاس وصار كل شيء حولي يستفزني ويدخلني في حالة غريبة من العصبية والغضب حتى لو كان ذلك الشيء ذبابة تمر أمام عيون صاحبي! الموضوع كله يا شباب عند الست درقية، طبعاً.. الخانم جالسة على شرفتها العاجية في الرقبة تفعل ما يحلو لها دون حسيب أو رقيب تضرب بهرموناتها ذات اليمين والشمال دون أدنى اعتبار لأي عضوٍ فينا! لطالما حذرتكم من مغبة توكيل الصلاحيات لأحدكم دون الرجوع إليّ، ذوقوا إذاً نتيجة الفوضى الخلاقة التي يراها بعضكم حرية.
استنفرت أعضاء الجسم وأخذت تشتم الغدة الدرقية وتلعن الساعة التي جعلها القدر فيها تحت إمرة غدة غجرية متعجرفة لا تقيم لأسيادها النبلاء وزناً فقط لأنها تعتليهم في مسكنها. خفق القلب قائلاً: توقفي عن شطحاتك يا متهورة، لقد أصبت كامل الجسد بالارتباك والعصبية، أرني ما أنت فاعلة حين أتوقف عن الخفقان، ساعتها سنسكن جميعاً تحت التراب، أجابته الدرقية بصوت مرتجف: لا تظلموني لو كان أمري ملكي ما فعلت فالعين لا تعلو عن الحاجب، شطحاتي ليست بإرادتي لكنها ترجمة لشطحات صاحبنا، هو من يجبرني على الانتفاخ، طرده صاحب العمل بعد موجة الحجر وارتفاع الأسعار فجلس في بيته تحت وطأة تذمر زوجته وأولاده، باع أرضه الصغيرة التي ورثها عن أبيه بأبخس الأسعار من أجل تأمين مصروف عائلته اليومي، يسير في شارع حارته متخفياً كاللص كي لا يقبض أصحاب الدكاكين عليه بتهمة المراوغة في دفع المستحقات، كل الأحياء حوله أضحوا أعداءه، زوجته، أولاده، الجيران، البقال، الطبيب، الصيدلي، الموظف، الخروف، الدجاجة، حتى الأشياء حوله انقلبت أعداءً يمقت رؤيتها، القرطاسية، موقد الغاز، المدفأة، المروحة، شاحن الكهرباء، مضخة المياه، التلفاز بما ومن فيه، النزهة محرمة، تبادل الزيارات خطيئة، التهنئة بالأفراح فاحشة، تنهدت الدرقية متابعة: كيف تطلبون مني ألا أنتفخ، كيف تسألوني البقاء صامدة؟! الرجل الذي أسكن رقبته أضحى غير الرجل الذي أعرف بل أصبحت لا أميزه عن الحلقة المفقودة التي يبحث عنها علماء الأحياء، لطالما حاولت الهدوء لكن صاحبنا شطح بلا حدود ولابد لي أن أشاركه الشطحات وأقولها لكم أيها السادة، الجود بالموجود، عليكم تقبل شطحاتي والمناورة معها قدر المستطاع وإلا حل بنا جميعاً ما لا يحمد عقباه. استمر القلب بالخفقان، الكبد أغلق بابه، جنحت الأمعاء إلى الكسل، توقف الجلد عن التعرق، الدماغ تثاءب وخلد إلى النوم….. الرجل المصاب باضطراب غدته الدرقية نام جالساً، سقط من يده جهاز التحكم في التلفاز بينما ملأ الشاشة رجل بربطة عنق يشع من عينيه وهج الحكمة ونور الذكاء ويتمنطق بكلام لو سمعه صاحب الغدة لانفجرت غدته: الراتب الشهري يكفي ويزيد إذا عرف الموظف كيف يتدبره.
شروق ديب ضاهر