الوحدة 16-7-2020
في الحي السياحي بامتياز، في صيف حارق، عند الصباح الباكر يصيح بائع السمك الصياد العائد للتو من البحر.. بصوت جهوري, لا يحتاج لمكبر أو بفلات:
بحري.. بحري.. بحري..
يعيد ويكرر, وهو عازم على أن يستيقظ كل من في الحي قبل أن يتجاوزه إلى حي آخر مجاور.. ولن يرتاح حتى يصيح به أحد أن توقف أريد أن أرى, وأفحص البضاعة.. وقد أشتري!
عندها قد ينعم النائم بلحظات هدوء, ليعود الصراخ من جديد.
عند الظهيرة.. يمر بائع الخضار المتآمر مع صياد أنكره أهل الحي.. فلا نقود للترفيه..
يصيح الآخر لكن عبر مكبر الصوت الذي يحيي الميت.. كما يردد عجوز يستنكر الاصوات المرتفعة, يشجب, يطالب, ويصرخ ولا أحد يرد..
بائع الخضار وعبر الميكروفون ينادي : بندورة , بطاطا , بطيخ .. خيار بلدي ..
لا بد من وجود حرف الباء في كل بضاعة يبيعها.. باب للرزق، يقول.
بعد الظهر, وكما في كل يوم, ولسنين طوال يمر المشتري هذه المرة لا البائع!
يصدح صوته عبر مكبره لشراء كل عتيق, ويعدد: براد عتيق, غسالة عتيقة, فرن غاز عتيق.. ويستمر في تحديد المرغوب من الأشياء للشراء حتى يصل إلى الحذاء, أو الطربوش.
يتبعه بائع الكراسي البلاستيكية, يصرخ: كراسي كراسي, منبدل كراسي… يشتري ويبيع!
الحي الذي لا يعرف النوم وسط الحر الشديد يجعل من سكانه طلقاء, أحرار..
يسهرون على الأرصفة, يتبادلون الضحكات, الأحاديث, الصراخ وأحياناً كثيرة الشتائم..
بينما يلعب الصغار – أولادهم – أمامهم بالكرة, أو ركوب الدراجات.. وبالقتال! قتال الشوارع!
حين ينقطع التيار الكهربائي فجأة عند منتصف الليل وكان كمنتصف نهار..
يفرح العجوز بشدة.. لأول مرة يفرح بانقطاع التيار..
إذ يخلو الشارع من سكانه.. فالظلام الدامس يقضي على لحظات السمر.. ولا مفر من النوم.
لابأس من نوم يتخلله دوش من عرق لزج يتحول إلى حلم جميل بعد دقائق..
يقف فيه العجوز تحت دوش ماء عذب رقيق.. لكنه يستيقظ فجأة على وصول بائع السمك.. صاحب الصوت الأوبرالي.. و: بحري, بحري.
سعاد سليمان