المبدعون… وهروب الأفكار

الوحدة 14-7-2020  

 

 أحلام الإنسان هي الجزء الحر الوحيد المتاح الذي يتمرد فيه على القيود والحصار وهي التي تمنحه فسحة لتفريغ مخزونات اللاوعي المتراكمة والوقوف على تأثير الذكريات وانعكاسات الأفكار المغروسة في خفايا الدماغ..

في أحد الصباحات اجتمعت مع بعض الأصدقاء المبدعين كلٌ في تخصصه أولاً وفي هواياته ثانياً حيث دار بيننا نقاش حول مفهوم الأحلام وتداخل الوعي واللاوعي فيها وتتطرقنا إلى العديد من الجوانب منها..

الفرق بين أحلام اليقظة والأحلام الكلاسيكية العادية وأهمية دور الحلم في عملية الإبداع أياً كان نوعه ومدى قدرة الحلم على خلق ومضة الفكرة والسمو بالتفكير إلى مراحل للوقوف على بعض الحقائق الجديدة..

هذا النقاش مهم كان محفزاً لجملة تساؤلات جدلية تدور حول واقع المبدع في أوطاننا والأوضاع التي يرزح تحت وطأتها ودورها في تعليب قدراته وتقييد خياله وضياع الكثير من عطاءاته بسبب ضياع لحظة التدوين منه.

 إن الإبداع الحقيقي لا يمكن أن يأتي بقرار من صاحبه مهما تطورت أدواته وسمت موهبته إذا لم يكن يملك زاوية منعزلة تتوافر فيها كتبه وأوراقه ومراجعه وأشرطته الموسيقية والتي تؤمن له شيئاً من الخصوصية وتتيح فرصة التواصل مع ذاته والقبض على الومضات الدافقة التي تجتاح خياله فيدونها على الورق أو اللوحة فوراً لتخرج بكامل هيئتها وبصورتها الكاملة غير الناقصة ولكن كم يبلغ عدد المبدعين الذين يمتلكون هذه الزاوية الصغيرة التي توفر لهم ذلك .هذا السؤال دفعني إلى البحث عن أسماء ممن أعرفهم شخصياً أو ممن قرأت عنهم فلم أجد إلا نذراَ يسيراَ تتوافر لديهم تلك الميزة ما يفسر بشكل من الأشكال-جانباَ من جوانب تهالك الإبداع وتراجعه.. إذ يبدو أن معظم ما يصلنا ونطلق عليه صفة الإبداع هو مجرد أعمال مهنية يشتغل عليها أصحابها بحرفية اكتسبوها من خلال تجاربهم العملية فأتقنوا صناعتها لكنهم لم يستطيعوا منحها الروح النابضة التي تضخ في شرايينها تلك الإشعاعات الفكرية الجديدة الجذابة كي تصل بسلاسة وعمق إلى الآخرين وتجعلهم يقبلون عليها ويحاولون استيعاب مفرداتها ومفاهيمها.. ويلعب الجانب الاقتصادي في عدم قدرة المبدع على توفير مكان لنفسه دوراً بارزاً فهو لا يمتلك الدخل الكافي للحصول على بيت واسع يخصص فيه ركناً صغيراً للاسترخاء والحلم والتفكير خاصة إن كان صاحب عائلة إذ يسلبه أفرادها الإمكانات كلها كما هو منطق الحياة الكلاسيكة العادية..

من هنا يمكننا أن ندرك ونشعر بالعذاب الكبير الذي يعانيه المبدع في بلدنا والواقع المر الذي يعيشه فهو مطالب بالابتكار والتجدد والعطاء من دون أن تتوافر بين يديه أدنى مقومات الإبداع ولذلك تجده دائم الشرود والحزن.

يحمل كآبته المزمنة على كتفيه يدور يشحذ لحظة الهدوء والفرح ولا يجدها فيجلس على رصيف الزمان منتظراً بناء مزرعة الأحلام التي قد لا يصلها إلا وقد تحول إلى كومة من العظام.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار