الوحدة 23-6-2020
يا لهذي الرّيح كيف تمضي, تتوه في الطّرقات باحثةً عن ذكريات تحملها في رحلتها عبر الأيّام والسّنين, وترميها في الدّروب الّتي تحكي قصص العاشقين وقد كتبوا حبّهم على حصى الطّرقات ورمل الدّروب فاستراحت على الأرصفة منتظرةً أنْ تنهض مرّةً أخرى ولكنْ لن تنهض إلا والّليلَ حيث تجيء صورتُها بدراً وقد اكتمل في ليل تمامه ليضيء ليلاً التحف عباءة العتمة فأرى النّجوم ساهرةً ترقُب بوح أسرارٍ وحكايا تُطيل الّليلَ في زمنٍ قد فرّ من دفاتر العشّاق وقواميسهم فلا قيمة للزّمن وقد انتشر الضّياء من عينيها وباحتِ الفراشات بأسرارها للورود الّتي استعدّت لاستقبالها والضّياء.
أنا الّذي عرف أنّ الطّريق إليكِ دربٌ بالورود معطّرٌ وبالياسمين مفروشٌ وأنّكِ في آخر الدّرب تنتظرين فارساً تعيشين معه حقيقة الحبّ لا حلمه, ومَن قال إنّ الحبَّ أحلامٌ ؟ فالحبُّ بعضُ حلمٍ وكلُّ حياةِ , وأنتِ حياة الحلم وكلّ الحياة الّتي منحني الله إيّاها بكِ أنتِ لا سواكِ , فأنتِ يا حبيبة عمري , أنتِ العمر ما مضى منه وما قد يأتي, وأنتِ الّتي أقسمتُ برمشيها وما خبّأتْ عيناها بأنْ إليك أمضي وبكِ العمر يحلو ويمضي, أيا غالية .. لو تعلمين شوقي وما فعل بي كلّما فتحتُ عيني, وكيف أتوه في الطّرقات أبحث عنكِ وأسألُ كلَّ الدّروب الّتي مشيناها سويّةً وما من جوابٍ يأتي غير استغرابٍ يزيد حَيرتي من سؤالٍ ومن جوابٍ كلاهما أعياني وأرّقني وإلى السّهاد أسلمني , فأرى نفسي مملوءاً بالأماني للنّوم الّذي يعاندني ليرسم طيف غاليتي على الأهداب ويوقفني بعضُ دمعٍ تأبّى أنْ يسيل على الخدّين بعد أنْ اختمر في عينين تجمّرتا من شوقٍ ومن أرقٍ , فراحت تجول في الأجفان سارحةً في ساحات الشّوق الّذي غلبني وغلّبني واغتالني العمرُ بلا وجهٍ أرى نفسي على محيّاه وأرى الحياة أبواباً مفتّحةً ودروباً مطيّبةً أسلكها على الأهداب الّتي فرشتها لي كي أسير وإليها أمضي , وآتيها كما الموجُ يحطّ رحاله على الشّطّ, أو كما النّحلُ يستقرّ في الزّهر وفيه ما يحبّ ويشتهي, بل أنا إليكِ ومنكِ أكثر من ذا وذلك , فلا الموجُ بأسرع منّي , ولا النّحل بشوقٍ أكثر منّي , وما أنا سوى عاشقٍ يبحث عن نفسه في نفسه الّتي هي أنتِ , ولا أدري ما أقول ولكنّي لأجلكِ سأغنّي وستكونين أحلى أغنياتي, ولكِ أقول يا غالية: إنّي آتيكِ وعلى متنِ الشّوق أمضي.
نعيم علي ميّا