الوحدة: 18- 6- 2020
بيتٌ حجري عتيق، أمامه مصطبة وظلال، وثمّة نسيمات معطّرة من تراب وبيادر وذكرى عند الأصيل، ونفحات طيبات من الحديث الملون وأكواب العطر المنسابة من الورد والشجر الحراجي ونباتات وأعشاب أخرى.. ذلك البيت هو أكثر من بيت أو مزيج من بيت ومضافة وصيدلية بهذه الكلمات استهل الكاتب حيدر محمد نعيسة حديثه عن المعاينة والتجريب التي تنفي الظنون وتصدّق البرهان وتثبت اليقين في مجال الطب الشعبي وذلك في كتابه: كان في قرانا مشيراً إلى شخصية أبي محمود (أحمد كامل سعيد) في قرية (كفرية) شرق اللاذقية موجزاً سيرة العم (أبو محمود) الفلاح في أرضه والعامل في شركته والمعالج في بيته والأكثر نفعاً وعطاءً في تلك القرى إذ قلّما يخلو بيته في ليلٍ أو نهار في صيف أو شتاء من طالب علاج أو حاجة أو مشورة فمر يدوه كرجل طيّب محدث والطالبين راحة النفس لا يقلّون عدداً عن أولئك الطالبين شفاء للجسد أو حلاً لمشكلة معينة، وفي مادتنا لهذا اليوم نحاول جاهدين تسليط الضوء على الحوار الذي دار بين الكاتب نعيسة وبين أبي محمود الرجل العالم بأسرار الأعشاب والذي حقّق سمعة وشهرة واسعة فلا تغرب شمس إلا ويقدم عملاً طيباً ويعتب لإلحاح البعض على مقابلة كل شيء بالمال فهو لا يداوي لمنّة أو أجر دنيوي ويسعى ما استطاع لإزاحة شبح المرض فالأرض من وجهة نظره صيدلية الله وفيها عقاقير وترياق وبلاسم للشفاء وفي بداية الأمر قال أبو محمود: الله قد جعل لكل شيء سبباً وهو الذي خلق الداء والدواء والنبات هو أقدم من الإنسان والحيوان على وجه الأرض، وقد اهتدى الإنسان العاقل إلى النبات الشافي فكان فيه دواؤه الأول وكان أقدم طب هو طب الأعشاب وفي سؤال الكاتب نعيسة عن ملاحظته لأحوال الجسم وتمييز دلالاتها ومعالجتها أجاب أبو محمود: يمكن لي ذلك بواسطة اللمس واللون، فمثلاً إن الضغط بالأصابع على ما تحت الركبة أو الساعد يخلف أثراً ذا معنى، فإما أن يدوم الأثر أو يعود الجلد لموضعه فوراً أو يتلون بالأحمر أو بالأصفر وهذه الحالات تبيّن ما إذا كان المريض مصاباً بمرض داخلي ما، كما أن للضغط على الأظافر وملاحظة أثر ذلك دلالة على صحة المريض فإذا ترك أثراً أحمر عادياً فإن الجسم في غاية السلامة، أما اللون الأصفر فعلامة على اعتلال الصحة، والأجسام تختلف فيما بينها وكذلك تتنوع الأمراض والأدوية، فقد يصلح دواء لجسم ولا يصلح لآخر يحمل المرض ذاته وبين عشية وضحاها أو بين حر وقر تتغير حال المرء، كما تتحدد أعداد وأنواع ونسب المواد الداخلة في دواء ما وفق نوع الداء المعالج، ورب جسم لا يحتاج لهذه المادة أو تلك أو سواهما، أو لا يتقبل المادة المفيدة فيهما كما تحدد سلامة الجسم أو مرضه نوع الدواء المعطى له… وثمة أمراض كثيرة ينتهي أساسها إلى المعدة فتداوى بشراب معد من أعشاب البراري بعد ما تطرى وتلين في حين تدهن أمراض البشرة بمراهم خاصة مركبة… وفي هذا السياق قال أبو محمود: لقد أعددت لمعظم الأمراض أدويتها المستخلصة أساساً من الأعشاب والنباتات وزيت الزيتون والغار والعسل والخل والثوم على شكل مراهم يدهن بها أو شراب يتناوله المصاب أو لصقات لأوجاع الظهر والمفاصل وآلام تحت الجلد، لذا أعاين الجسم وألاحظ أحواله وأسأله عما يعانيه وأشرح له الطريقة والوقت والمقدار الذي لا يجوز تجاوزه.. هذا مع أن أساس التداوي هو الوقاية والحمية، كما أن الأمراض متداخلة الأسباب والأعراض، فأمراض الجسد ذات أسباب نفسية أحياناً، وإذا عولجت الأسباب زالت نتائجها ومن هنا تأتي أهمية الكلمة في التخفيف من الألم وإزالة الوهم وغالباً ألجأ للدعابة والمرح مع المريض لأبدد من سمائه غمام القلق المعادي للصحة والحياة فالتوهم يساعد المرض على أن يأخذ مفعوله في جسده، كذلك فإن للشمس والخضرة والصوم والاستحمام أثر كبير في تعجيل الشفاء وإن للعمر أيضاً دوره، فالصبي الفتي أكثر مقاومة للمرض وأسرع مداواة من العجوز الذي ضعفت بنيته.
وتابع الكاتب سؤاله للعم أبو محمد وعن اللصقات للأوجاع فأجاب بأنها خلاصة أعشاب مقطوفة في أوانها مجففة أو معتصرة جيداً يخلطها بنسب معينة مع خل صاف، يعالجها حتى تغدو طرية لزجة كالسمن إذ يكفي عندها أن تدهن بها قطعة ورقية مقاومة لا تهترئ أثناء الدهن والتدليك ثم تلصق في الموضع المراد فتنكمش على الألم وبعد حين يتراوح بين ليلة وليال، تمص اللصقة الألم ويتعافى المصاب ولا تتخلى اللصقة عن محلها طالما بقي أثر للألم عندها يمكن أن تنزع بيسرٍ أو تقشر لوحدها.
ندى كمال سلوم