فيضُ عطاء..

الوحدة: 16- 6- 2020

 

كم هو جميل أنْ نعيش العطاء بمعناه غير المحدود وغير المقيّد ولا المحدّد والموجّه, وهل بالإمكان أنْ نقول: إنّ العطاء عطاء إنْ كان محدوداً أو مقيّداً أو موجّهاً ومحدّداً ؟ مِنَ المؤكّد أنّ الأمر أبعد من هذا بكثير , فليس بعطاء ذاك الّذي يكون نابعاً من الفرز والتّخصيص إذ إنّ العدوّ الأكبر له هو أنْ تكون موجِّهاً ما تريد أنْ تقدّمه لمجموعة محدّدة دون سواها لأسباب غير مُقنعة, وعلى العكس تماماً إنّه لَمِنَ الجميل أنْ توجِّهَ طاقتك أيّها الإنسان نحو الجميع وأنْ تطلقها في الفضاء الإنسانيّ بعيداً عن الدّائرة الشّخصيّة الّتي تتحدّد وتتقيّد وفق معايير تُفقد العطاء معانيه وتُشتت الطّاقة حتى تعدمها.

والعطاء هو الوجه الحقيقيّ للإنسان المؤمن بأنّ الإنسان أخو الإنسان في كلّ زمان وأيّ مكان بعيداً عن التّفرقة والعنصريّة, و مهما كانت مبررات هذه العنصريّة فإنّها تبقى مرفوضة رفضاً قاطعاً من قِبَل مَنْ آمن بإنسانيّته وروحانيّته , لأنّ العطاء ببساطة أنْ نتقبّل الآخر كما هو وبما هو بعيداً عن المحدِّدات والفرز الّذي يجعل هذا أقرب إليك من ذاك , فكلّ إنسان هو المثال الأعلى للتّكوين الإلهيّ الأسمى , وإذا ما نظرنا إلى الإنسان نظرةً حقيقيّة فإنّه يجب علينا أنْ نعترف بأنّ لكلٍّ منّا نقاط قوّة ونقاط ضعف , كما أنّنا مخلوقون ولسنا معصومين من الأخطاء , ومن هنا علينا أنْ نتقبّل الآخر كما هو وبما فيه من قوّة أو ضعف ويجب أنْ نبتعد عن تحميل الإنسان أكبر من طاقاته الحقيقيّة بأنْ يكون كائناً بشريّاً , كما يجب ألاّ نتوقع أنْ يتصرّف الإنسان كآلهة , وإذا ما توقّعنا ذلك فإنّنا بذلك نكون مخطئين

إذا أدركنا هذا الأمر وعملنا به فإنّا لا محالة سنكون سائرين على الدّرب الحقيقيّة التي توصلنا إلى حياة مثاليّة – وهي الحياة المرجوّة – نعيش فيها أخوة متحابّين متعاونين نقدّم للآخر ليس فقط ما نملك بل ما يحتاج , فثمّة فرق بين أنْ نقدّم ما نملك وأنْ نقدّم للآخر ما يحتاج , وإنّي لأظنّ أنّ قمّة العطاء أنْ نقدّم ما يتوقعّه الآخر منّا عندما يؤمن هذا الآخر بنا كأُناس مُشبعين بالإنسانيّة القائمة على الحبّ والعطاء وبذا يتحوّل العطاء من مجرّد فكرة إلى مفهوم وسلوك ونهج حياة وتصير هذه الحياة مُترفة  بالحبّ والعطاء لأنّ الحياة إنّما تقوم على أنّها: روح ونقاء , حبٌّ وصفاء, وفيض عطاء .             

نعيم علي ميّا

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار