الخوف..

الوحدة: 15- 6- 2020

 

ليس الخوف ظاهرة إيجابية , فهومن دواعي التردد…كما التردد من دواعي الفشل لكن هذا لا يمنع وجود بعض الأشياء الجديرة بأن تتعامل معها بخوف بل يرعب حين يكون هذا الشعور إيجابياً لمجابهتها, واتخاذ الحذر اللازم في التعاطي معها لعل أهمها ذلك الغول المرعب الذي يسمى الفراغ .

فوقت الفراغ الزائد كالماء إذا لم تتوافرله سبل نافعة وقنوات كافية لتصريفه فإنه سرعان ما يتعفن ويشكل مستنقعاً آسناً مشبعاً بالأمراض والجراثيم وكما يقال: فإن وقت الفراغ هو أكبر كاشف لدفائن الأخلاق ومعادن الناس إذ إنه سلاح ذو حدين لكن قليلين من الناس من يتقنون استثماره في ما يسليهم وينفعهم في الوقت نفسه, بينما تجنح الغالبية إلى التسلية غير المجدية التي لا تعود عليهم بأي نفع ولعل الفرق بين إنسان ناجح وآخر فاشل هو كيفية استغلال كل منهما لوقت فراغه حيث يصرفه الناجح في ما هو مجد بينما يبعثره الفاشل هباءً بحجة قتل الوقت وتقصيره مع إن الوقت هو مادة حياتنا وأي قتل أو تبديد له هوقتل وتبديد لأعمارنا.

أما متى يتحول الفراغ إلى غول مخيف مفترس فإن ذلك يحدث في حالات  البطالة حيث يصبح اليوم كله وقت فراغ وحيث يتمكن الملل واليأس من الشخص العاطل وينحرف به خارج الطريق السوي .

وقد لمحت هذا الغول( الفراغ) وهو يحط رحاله بوحشية جنوبي آسيا عندما سمعت خبراً مفاده أن عدد رواد المقاهي  الإندونيسية ارتفع بصفة ملحوظة جداً إثر كارثتي الزلزال والطوفان اللتين حلتا بالمنطقة وما زاد عدد العاطلين عن العمل والمنكوبين في عائلاتهم والذين لم يجدوا أمامهم سوى تجمع المقاهي ودفء المشروبات الساخنة على أمل أن يعوضهم ذلك قليلاً عن الدفء الأسري المفقود وأفاد الخبر أن هذه الظاهرة قد أخذت تغري الكثيرين في هذه المناطق بفتح مقاه للارتزاق بعد أن أصبح هذا المشروع مجدياً من الناحية الاقتصادية ومهما بدا هذا الخبر بسيطاً وعابراً إلا أنه يحمل في طياته بوادر الخطر الداهم والكارثة الثالثة التي تنتظر المناطق المنكوبة جنوبي آسيا والتي لاتقل في مأساويتها ونكبتها عن كارثتي الزلزال والطوفان إنها كارثة الفراغ أو وقت الفراغ الزائد لأناس فقدوا شواغلهم الأساسية كالأسرة والبيت والعمل وأصبحوا على رصيف المقاهي في ظروف نفسية محبطة ومالية معدومة.

فالفراغ الزائد مفسدة ومبعث لشتى أنواع الانحراف خصوصاً إذا ما ألقيت بذوره في تربة نفوس مثقلة بالحزن واليأس والضياع والمقاهي بالنسبة إلى العاطلين  عن العمل قد تتحول إلى بؤر لتخطيط الجريمة والسرقة وتعاطي المنوعات  إذا لم يتم تدارك الموضوع وإذا لم يتجاوز التعاطف والتضامن الإنساني والدولي حيال ما تحدثه تلك الكوارث وأن يقف في وجه فتح المزيد من المقاهي ويمنع تكاثرها باعتبارها مشروعات مدرة للربح لتجار الكوارث فالمصانع والمعامل هي البديل الأجدى والأكثر ربحاً لأن مكبها هو المواطن السوي غير المنحرف وليست كالمقاهي التي تدر أموالاً في جيوب القائمين عليها من بؤس وتضر مرتاديها نرجو أن يحذر هذا العالم من هذه الكارثة الثالثة التي تجتاح الشوارع فهي كارثة اجتماعية وتداعياتها خطيرة فإنها جديرة بأن تثير القلق والخوف والتحسب من المستقبل .

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار