ثلاث شرفات متكسرة

الوحدة 8-6-2020

 

الشرفة الأولى: سيّدتان حلّتا على طاولة في مطعم للوجبات الشبه المستوردة، وما إن أنهت الأولى طعامها على عجل، حتى قامت بالتبرم والصّراخ في وجه زميلتها، وشيئاً فشيئاً كان يتصاعد وعيدها وتهديدها، وكأن المكان يكاد ينحشر على جنبات حنجرتها، أمّا الأخرى فبقيت على صمتها وهدوئها وكأنّها جدار للصّدمات!

بدوري تعاطفت كغيري من الحاضرين مع السيّدة الثّانية، وتهللت حين غادرت السيدة المشاكسة، لكن سرعان ما انقلب كل شيء، حين استدعت النادل بهدوءٍ زائدٍ وثقةٍ ناعسةٍ لتسأله: الحساب وصلك مع الإكرامية أليس كذلك؟

أجابها بصوت لاعب سجّل هدفاً: نعم.. نعم

هنا شعرت بأن تلك السيدة الرزينة، قد فككت كل ما أعرفه عن آداب الضيافة والطعام، فهي لا يهمها سوى إكمال وجبتها وطرق الصحون؟!!

الشرفة الثانية: مع كل صباح من صباحات الحجر المنزلي، كانت زوجتي مثل نافلة نفاثةٍ، تنطلق شيئاً فشيئاً، ثم تسابق الصوت، فتكيل الكلمات يمنةً ويسرى، بحثاً عن الضربة القاضية، بعدها تلحقني بكحة تنظف بها حبالها الصوتية. أمّا أنا وفي كل مرة كنت أمارس السكوت والتوازن، لأكتشف بأن الرجل لا يصلح أن يكون كائناً منزلياً أليفاً.

الشرفة الأخيرة: في صالة التسوق، كان دوري خلف سيدة وضعت مشترياتها على طاولة موظفة الصندوق بلا مبالاة، وهي تقرأ رسائلها النصية، ثم تضغط مع كل ثانية على صفحة هاتفها، وتنتفض كطائر كبر جناحها للتو!

بعد أن أنهت الموظفة إحصاء الأغراض وتجهيز (فاتورة) المشتريات طلبت تلك الموظفة من السيدة فئات نقدية متوسطة وصغيرة لإتمام العملية.

راحت السيدة تبحث وتفتش في محفظتها بطريقة وكأنها تمضغ الوقت أكثر من اللازم، فتململ الطابور من خلفي، وكأنني أتحمل وحدي ما يجري، لأسمع كلمات هي كالوخز.

وأخيراً انتهت السيدة من جمع أغراضها في كيس شفاف ينسجم مع مظهرها، وما إن ابتعدت قليلاً، حتى انفرط الكيس وتمزق، فانكب الطابور بأكمله يلتقط ويجمع ثم يهرول نحو الأغراض التي تتدحرج هنا وهناك. أما أنا فكنت أشمت وأضحك بصوت لا يقل دحرجة عن أغراضها، فيما كانت هي منشغلة بالرسائل النصية والرد عليها، والتي أنستها أن تقول كلمة شكرٍ واحدةٍ؟!

 

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار