الوحدة: 8- 6- 2020
ازدهار ناصر فنانة تشكيلية لها الكثير من التجارب الإبداعية في فن الرسم، ومجموعة من اللوحات الثنائية الرؤية، وهي عضو في مكتب فرع اللاذقية لاتحاد الفنانين التشكيليين، أسهمت فيما تعدد من المشاركات المحلية والعربية، حازت على الجائزة الأولى على مستوى الوطن العربي في مسابقة شاعر وأديب النيل والفرات عن كتابها (قصد وقصيد رؤية سيميولوجية)، إضافة إلى كونها تحاضر في جامعة تشرين بكلية الهندسة المعمارية وسواها، وذلك ضمن ما يتصل بمادة الرسم والزخرفة، وقد كان لنا معها هذا اللقاء، إذ تقول:
في الحقيقة إن الطاقة تجري دائماً في الاتجاه الذي تصب فيه اهتماماتنا، وحسب طريقة تجاوبنا مع ظروفنا وتجاربنا في الحياة ، فعندما تنبض مشاعر الحب والمحبة والتناغم في أي مكان لا بد أن يتحول إلى جمال، وروعة وطاقة الحب، هي التي تجعلنا نشعر بالضيق في مكان ما، أو براحة في مكان آخر، هذه الحالة ترتبط بطاقتنا مع الطاقة المنبعثة من كل شيء حولنا، ومدى توافق هذه الطاقات وانسجامها مع بعضها البعض، أو عدمها والتوافق هنا يعني التوازن، وهو العلم الذي يجعل الطاقة المحيطة بنا تجري بتوازن وانسجام، وإذا طبقنا مثال التوازن على أعظم ما هو حولنا، أو أبسطه لوجدنا أنه كلما كانت اﻷمور حولنا متوازنة كلما كانت حياتنا أكثر استقراراً.
وتتابع في هذا السياق قائلة: لكي يصبح الإنسان مبدعاً ينبغي أن يتحكم بالتجربة، ويحولها إلى ذكرى، ويحول الذكرى إلى تعبير، والمادة إلى شكل، ويجب أن يعرف حرفته، وأن يحبها، وأن يفهم كل قواعدها، وتقنياتها، وأشكالها، وشروطها على أن يكون المبدع الهاوي قادراً على خدمة الإبداع الحقيقي، الذي بدوره يخلق في لحظته التاريخية لحظة إنسانية لا تقلل من استمراره عبر صراع الطبقات، علماً أن اللحظة التاريخية قياسياً هي عبارة عن مئة سنة، تظهر عبر الأجيال، فنظن أن الأشياء القديمة منسية، وكأنها لاوجود لها خلال الزمن ولا أثر لها علينا، وهذه الأشياء أو الأحداث المتراكمة، فجأة تطفو على سطح الشعور كما يطفو الزيت فوق الماء، ثم تكلمنا، ذاتية الكاتب أو الفنان أو المبدع، تذوب في أعماله كما يذوب السكر في الماء، وتبعاً للوضع الاجتماعي، وحاجات الطبقات الصاعدة أو المنحدرة يعود ظهور الأشياء الكامنة أو المفقودة، لتستيقظ من جديد، وكلما ازدادت معرفتنا ببعض الآثار الإبداعية القديمة، ازدادت عناصرها الثابتة وضوحاً برغم تنوعها، إنها ضرورية لكي يستطيع الإنسان أن يفهم العالم ويغيره نحو الأفضل.
ثم تضيف: وبالنسبة لي أرى أن الإبداع لا يكون وليد اللحظة عن عبث، وإنما هو نتيجة تراكمات معرفية سابقة موروثة ومكتسبة منذ الطفولة، فالتأمل والقلق ضروريان للمبدع حتى يبدع، والقلق قبل التأمل، لأن القلق هو الدينمو المحرك للإبداع الذي يكون السبب الرئيسي للعصف الذهني، وتحريضة على تقديم أفضل ما لديه، والمثال على ذلك، عندما أبدع أديسون في اختراع المصباح الكهربائي لم يكن إبداعه وليد لحظة معينة، وإنما كان نتيجة تأملات وتجارب سابقة باءت بالفشل لعدة مرات، وحين أصابته حالة الهلع والخوف على والدته المريضة المهددة بالموت، وحاجتها الماسة لضرورة عمل جراحي، وحاجة الطبيب لضوء قوي أفضل من الإضاءة التي كانت سائدة في عصره ، استطاع أن يخترع المصباح الذي أنقذ والدته من خلال العمل الجراحي الذي أجراه الطبيب ليلا للضرورة، فالدافع هنا لتحريض أديسون كان هو إنقاذ والدته، أي الدافع كان المحبة، فالإبداع يحتاج إلى دافع يحرك السلوك نحو الهدف في الاتجاه الصحيح، على أن يكون مسلحاً بالمعرفة التي تراكمت منذ نعومة أظفاره، ولا بد أن أنوه بالضرورة إلى الذاكرة الموروثة التي تسبق عملية التراكمات المعرفية المكتسبة وغير المكتسبة، وأقصد تماماً ما ورثناه من معرفة كما ورثنا لون العينين والطول وسوى ذلك من الأمور.
د. رفيف هلال