الأحد: 31-5-2020
كل المراجيح كانت معطلة، هذا العيد أتى دون مراجيح، حتى أقراص العيد لم تصنعها أمي كعادتها في كل عيد!
لم أشم رائحة الأقراص تأتي من بيت الجيران، هكذا قالت الطفلة بتعجب, وهي تجلس في المقعد بجانب سائق السيارة التي تقلها, ووالدتها إلى المقبرة صباح يوم العيد..
تحدثت بشغف إلى السائق الذي عرفته للتو.. لم يسأل السائق الطفلة عن اسمها, ولم يستطع مجاراتها بالحديث الذي آلمه، وشكر الله في سره حين أمرت أم الطفلة ابنتها المتحدثة بطلاقة إلى سائق لم تعرفه إلا من دقائق أن تسكت..
صمتت الطفلة, وحاول السائق إيقاف دمعة أبت إلا أن تسقط، ففي هذا الصباح قام بنقل العديد من الأهالي إلى المقبرة التي كبرت, واتسعت, وامتلأت بالزوار منذ الفجر.
في المقبرة.. لم تحمل الأم باقة ريحان, ولا وروداً كما جرت العادة، كانت قد أقنعت نفسها أن المقبرة تتوسط بقعة من الطبيعة الغنَاء، حيث الأشجار, والرياحين..
لم تعترف أن إحضار باقة من الريحان يحتاج للمال، وأن الأحياء من حولها أهم اليوم بالحصول عليه، مؤكدة لنفسها المتمردة لأول مرة: لن يرى, ولن يشم.. ستجف الباقة, وتذبل, وتداعبها الرياح, تحملها, وترميها عند كومة القش هناك بين الأغصان المبعثرة، وتتجمع بجانب ذاك القبر القديم الكبير الذي يصنع سداً أمام الريح.
حين وصلت إلى هدفها.. رأت فوق القبر – مقصدها – غصن ريحان أخضر نضراً, وفوق كل قبر غصن يشبهه، وضع بإتقان حيث لا تهزه ريح، ولا تبعثره!
جالت ببصرها في المكان.. كل القبور مزينة بغصن شبيه لقبر وليفها، عادل هذا الذي نثر الأغصان, وزَعها .. قالت بصمت.. لم يفرق بين قبر من رخام وآخر من خفّان، بين قبر شامخ لامع بديع, وقبر فقير يعلوه العفن, واليباس.. فرحت بغصن الريحان الهزيل, الثري.. حين أنهت زيارتها وقبل أن تغادر المكان، سألت حارس القبور عن مصدر هذه النعمة؟
أكد لها، أن شاباً في مقتبل العمر من سكان القرية المجاورة للمقبرة يأتي في كل مناسبة، يوزع الرياحين، ينثرها, ويمضي.. وهو لا ينسى أن يقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء الذين أثروا المكان, فاتسعت المقبرة وتطاولت, وكانت قبل منسية.. أو هكذا خيَل له!
سعاد سليمان