الوحدة 21-5-2020
يسعى الدكتور الفنان أنمار تقلا لخلق توازن بين الفكرة والتشكيل ضمن صياغة فنية متميزة بالحس الجمالي عبر تناغم خلاق, له من قوة التخيل والابتكار الشيء الكثير والجديد دائماً، هذا ما نلحظه في طريقة تنفيذه لأعماله سواء التشكيلية أو التطبيقية, مع حرصه لزرع التفاؤل والإشراق والأمل في هذه الأعمال تماماً كممارسته للطب.. الوحدة التقته ومعه كان حوارنا الآتي…
× دراستك للطب وموهبتك في الرسم والخط والتطبيق, إلى أي مدى كان التأثير متبادلاً بينهما؟
×× الفن ألبس الطبّ عندي رداء يعج بالأحاسيس المرهفة الرقيقة كي أحترم الجسد البشري أكثر, وأتعامل معه بحنو، بالمقابل الطب والدراسة العلمية ساعداني على أن أوسع خيالي الفني وأستخدم الرياضيات أحياناً لتكون لوحاتي رسماً وخطاً وأعمالي التطبيقية أكثر دقة.
× تتقن فن المنمنمات والزخرفة الإيرانية, لماذا اخترت هذا الفن تحديداً؟
×× هذا الفن مليء بالألوان المتناغمة والورود المزركشة والحيوانات الأليفة والطيور الناعمة والثياب المليئة بالزخارف، أيضاً هذا الفن يصور المرأة والطفل والرجل ضمن قصة عاطفية أو روحية أو رسالة حكمة أو قصيدة شعرية، ومن وجهة نظري هذا الموضوع يجمع أجمل الزهرات ضمن لوحة واحدة مع ألوان تتماوج كلحن موسيقي.
× تنفرد بتقنية اللوحة التشكيلية باستخدامك مادة الرمل مع برادة الحديد والرمل الملون ماذا تحدثنا بهذا الخصوص؟
×× أحب الأفكار الجديدة والمبتكرة والفريدة, ومنها الرسم بتقنية الرمل وبرادة الحديد ومن ثم طورته بتكويني للرمل، وهذه التقنية تعطي منظراً حبيبياً ملوناً للوحة مع تجسيم خفيف وكأنها لوحة فسيفسائية غاية في الدقة, والتناهي في صغر قطعها.
× كذلك يميزك أسلوبك الفسيفسائي في الخط حبذا لو نتحدث عن ذلك؟
×× استخدمت أسلوباً جديداً في صنع لوحة خط محورها الأساسي مثلثات في غاية الصغر تأخذ تشكيل الكلمة, وترتدي ألواناً يجعلها تشكل بالإضافة للوحة الخط لوحة تشكيلية ملونة يمكنها أن تأخذ شكلاً ما قد يرمز لإنسان أو طير أو زخرفة أو غيرها.
× الخط العربي من الفنون الصعبة خاصة في التشكيل, فأين تكمن صعوبته؟
×× تكمن صعوبته في رسم الحرف, والتلاعب بثخانته، فالحرف بحاجة لتطاول وقصر متناغمين أو سماكة ورقة بشكل رشيق, وهذا بحاجة إلى يد تتمايل كخصر نحيل، والفنان حتى الرسام لكي يكون متمكناً يجب أن يمتلك ما يسمى بقوة الخط، فالرسام الجيد يسهل عليه أن يكون خطاطاً.
× للعناصر البيئية والمعالم الأثرية والمفردات التراثية دور كبير في صناعة لوحتك, فكيف وصلت إلى ذلك؟
×× صناعتي للمجسمات فكرة فريدة باستخدامي لمواد طبية بشكل أساسي خوافض اللسان حيث أقوم بنحتها وإدخال الزجاج والمعادن والخيزران وعبوات الأنسولين الفارغة, إضافة إلى عناصر من الطبيعة كلحاء الأشجار وقشور الجبوس كي يظهر لدي مجسمات تظهر بيوتاً شرقية مع شرفاتها المميزة وسلالم وأبواباً ونوافذ نراها في أنحاء بلدنا, وكأنني أصور هندسياً فراغياً بلدي وبيوته التراثية والشرقية على لوحة ثلاثية الأبعاد.
× وماذا عن الحفر على مادة الرخام؟
×× الرخام صفحة أو ورقة بيضاء قاسية تصبح ناعمة وطرية تتحول إلى لوحة خط أو رسم أحب العمل على الرخام مثل الزجاج والخشب لأنها كلها من مواد تتنوع بمواردها وتعابيرها ورسائلها فتنعش الفنان, وتوسه آفاقه وأفكاره وأساليبه.
× كيف تفهم دور الفن في حياة الأمم والمجتمع؟
×× الأهم في الفن هو الرقي بكافة أشكاله المحسوسة والملموسة (مادياً أو روحياً) وعلى مدى التاريخ كان الفن مثاراً للفخر, حتى الهدايا القيمة بين الملوك كانت هدايا فنية سواء في الرسم أو النحت أو فن العمارة، فالفن يسجل دائماً مدى تطور وتقدم الشعوب وكانت الأمم قاطبة تتباهى بقوتها الفنية وليس فقط الحربية، كذلك للفن دور كبير جداً في النفس البشرية، فبالفن المحبة تزداد وتفعم البشرية بالخير والجمال.
× وماذا عن دور الفن خلال الأزمة في سورية؟
×× أهم شيء في الوجود هو الاستمرارية, ونحن في ظل هذه الأزمة والحرب الكونية على بلادنا الحبيبة لا نزال مستمرين في عطائنا الفني، وهذه الظروف لم تستطع أن تمنعنا من إقامة جميع الأنشطة الفنية سواء في المعارض أو الملتقيات أو المهرجانات أو الأهلية منها والرسمية (طبعاً قبل فترة الحظر) وأشبّه هذه الحالة بإنسان مريض عندما يستسلم هذا المريض لمرضه ولوحدته ويذرف الدموع, ويقف عاجزاً، فهو يتجه حتماً للهلاك, ولا مجال لشفائه، بينما على النقيض تماماً المريض الذي يتحدى مرضه, ويسعى لتغيير حالته المرضية, ويخلق الظروف والأجواء المساعدة على الخروج من حالة المرض, ناهيك عن مقاومته للمرض, وتشبثه بالخلاص والحياة، فهو في هذه الحالة يتجه حتماً للشفاء والعودة لحياته الطبيعية بزخم أقوى وأفضل، ونحن في سورية أثبتنا نحن الفنانين أننا متجهون للشفاء وليعود الوطن منتصراً قوياً آمناً كما كان على الدوام وأفضل فإذن الله تعالي.
× بالمقابل كيف ترى المتلقي السوري خاصة في هذه الأزمة العصيبة؟
×× المتلقي السوري يختلف فهناك من يتفاءل ويطلب الاستمرارية في إقامة هذه الفعاليات لأنها بنظرة تشعره بأن البلد بخير وسيبقى بخير بأبنائه وهناك أيضاً المتلقي المتشائم الذي يرفض هذه الفعاليات لأنها بنظره تأتي في الدرجة الثانية, وهي أمور كمالية, وليست أساسية لكن بالمجمل تميل كفة المتلقي الإيجابي المتفائل أكثر بكثير من المتلقي المتشائم المستسلم، وكما يقال: أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام, والدليل عندما يستشهد الشهيد تكون صورته محاطة بالورود ورموز الوطن الجميلة, حتى الصورة في هذه الحالة تكون متفائلة وتعطي أبعاداً للوطن المقدس.
× كلمة أخيرة نختم بها حوارنا..
×× كلنا جنود الوطن, وكل في موقعه ونحن الفنانين نرى الوطن لوحة جميلة مشعة ساطعة على الدوام. والعمل الفني يندرج ضمن هذا الإطار وأنا أقدم واجبي تجاه وطني من جانبين الطبي والفني.
أخيراً أقول: أشكر جميع الشهداء الأبرار وأجلهم، فدماؤهم مشاعل نور تضيء على الدوام كل لوحاتنا الفنية, وتضيء حياتنا ومستقبلنا الآتي، هذه الدماء الطاهرة تعطينا ثقة أكبر بالمستقبل, وتدلل على الحب والإيثار اللامتناهي لوطننا الغالي على قلوبنا جميعاً سورية الحبيبة.
رفيدة يونس أحمد