الوحدة 20-5-2020
مع استعجالات الصّباح الباكر, انطلق إلى حارته القديمة, لتمضية ساعات فيها, وقد اقتطع تلك السّاعات من اختناقات مشاغله ومسؤوليّاته اليوميّة.
لدى وصوله, هتف بأمواج مدوية تقول: المكان لا خلاف عليه, هو .. هو عيناً وقلباً، لكنّ البيوت والأزقّة والسّاحات وأشجار النخيل و.. و.. بعضها تغيّر وبعضها اختفى!
سأل نفسه: كيف اقتلعت البيوتُ لتحل مكانها هذه الغابة الإسمنتية؟ المباني فيها مطرّزة بشرفات أشبه بالأقفاص؟!
كذلك أشجار النّخيل قد غادرت, هل أتعبها الوقوف فآثرت المغادرة؟
ربّما يبست مع حكاياتها القديمة… ربما، أمّا الساحات الصغيرة فقد طوت نفسها مثل كتبٍ لم تعد تصلح للقراءة؟!
تقدّم بضع خطوات إلى داخل متجر وسأل إذا كان حقاً في الحيّ المقصود؟
فجاءت الإجابة: نحن نبيع حتّى الأمنيات, ولسنا مكتباً للدلالة أو سياحة المسنّين من أمثالك!!
وهنا تذكّر عمره حين كان ممزوجاً بأنفاس الحيّ, وكيف كان يقدّم العون والمساعدة لأيّ غريب ولو كانت حاجته أشدّ اغتراباً!
تشجع مرّة أخرى وسأل أحد المارّة؟ فكانت إجابة الرّجل مغلّفة بسخرية حادّة أشبه بسكّين نزلت في قالب زبدة!
فانطلق إلى مسنّ من أهالي الحي, ملامحه مازالت محفورة في ذاكرته وعرفه من اسمه. لكنّه لم ينل إجابةً واحدةً واضحة, وكأنّ هذا الرجل يحمل جسداً لم يتبدّل فيه العقل مع تناوب الفصول , فقال مبتعداً: أغلب النّاس هنا يتحجرون كحجارة هذه المباني, ولا يميّزون بين ماضٍ وحاضرٍ. أمّا المستقبل فلا يعنيهم , ولا يرحّبون به.
يا… لهؤلاء؟!!
أدار ظهره, وشيئاً فشيئاً كانت ذاكراته تتلاشى عن هذه الحارة, وتصير بيضاء كبياض (كفن الرحيل) في حفرةٍ مظلمة…
سمير عوض