الأنترنت .. أداة تدمير الإنسان

الوحدة : 18-5-2020

 تشير الوقائع إلى أن الإنترنت يعد أحد أبرز عوامل تخريب البيوت وواحداً من أكثر مسببات الطلاق كما تشير أيضاً إلى أن الشبكة العنكبوتية هي أحد أهم أسباب الزواج في عصرنا هذا بوصفها القناة الأكثر نجاعة في تعريف الشبان بالشبات وصولاً إلى يمين الزواج إنها مفارقة تستحق التأمل .

 فالإنترنت التي بات بعض الناس يسمونها خاطبة العصر هي نفسها التي  تفسد العلاقات الزوجية من ضمنها حكايات عديدة عن نساء طلبن الطلاق لان أزواجهن فشلوا في التخلص من إدمانهم على متابعة النت حيث تناقلت قصة رجل وامرأة تزوجا عن طريق الإنترنت  ثم اكتشفت العروس بعد انتهاء شهر العسل أن زوجها عاد إلى سيرته الأولى في البحث عن نساء عبر الشبكة إذ أصبحت هذه العادة بمثابة إدمان لا سبيل للتخلص منه وهناك قصص عديدة عن رجال يقفلون غرفهم الخاصة على أنفسهم ويبحرون فيما يخطر وما لا يخطر بالبال من عوالم الإنترنت تاركين نساءهم للغيظ والقهر واليأس جل تلك المواقع تزعم أنها ظهرت إلى الوجود وهي تحمل رسالة سامية تتمثل في حل مشكلة متفاقمة ومفزعة هي مشكلة العنوسة والعديد من المواقع تضع بالفعل أصابعها على الجرح إذ تشير إلى المتغيرات التي شهدها العالم في عصر العولمة والتي يتمثل بعضها في الآتي :

 لقد تفرق الجمع وغاب التجانس وأصبحت التجمعات البشرية غير مبنية على أساس من القربى وقيم الجيرة والنسب .

 ازدادت معدلات الاغتراب الجغرافي ولم يعد كسب الرزق يتم على مقربة من أماكن  السكن والعيش حتى العائلة الواحدة لم تعد تضم أفرادها جميعاً فقد تجد عائلة مكونة من خمسة أفراد وكل واحد منهم يعيش في بلد مختلف .

ازداد الاختلاط بين البشر في مواقع العمل غير أن هذا الاختلاط لم يساعد في بناء  الجسور بين الناس فقد سادت العلاقات المؤقتة والطارئة وأصبحت الصداقة والجيرة بمفاهيمها الكلاسيكية أثراً بعد عين .

 تغير نمط السكن وساد أسلوب العيش في شقق صغيرة ومتكدسة داخل بنايات إسمنتية متراصة وصارت تلك الشقق عبارة عن ملاذات يلجأ إليها  الإنسان للهروب من ضغوط الحياة المتنامية من دون أن يكون لديه متسع من الوقت لاستكشاف جيرانه والتعرف عليهم .

 بقدر ما ضاق الواقع على أهله اتسعت رحابة الفضاء الإلكتروني وانتشرت الحواسيب الموصولة بالإنترنت في البيوت فصار من الطبيعي ألا يعرف المرء اسم الشخص الذي يعيش علي بعد أمتار منه .

 بينما يعرف عشرات الأشخاص الموزعين على خريطة العالم المترامية والذي يتعامل معهم من خلال الدردشة والاتصالات البريدية وغير ذلك من القنوات .

 في ظل الوضع لن يكتب الكثير من النجاح لأي امرأة في لعب دور الخاطبة بصفاتها التقليدية فمثل هذه المرأة لن تعرف الكثير من الناس ولن يتاح لها أن تضع في جيبها هدراً لفتيات وشبان يرغبون في الزواج وفي ظل الواقع ليس بوسع الأم أن تفعل الكثير لمساعدة ابنها في العثور على عروس مناسبة .

 فالأم اليوم خسرت قاعدة بياناتها المعهودة والمملوءة بالعلاقات الاجتماعية والأسماء وحتى العلاقات التي تنشأ بين الشبان والشابات الذين يعملون في بيئات منفتحة لا تكفي لجعلهم يتعارفون بطريقة صحيحة تؤدي إلى الزواج .

 انظر إلى الوضع في البلدان الغربية وسوف نتساءل ما حاجة الرجال والنساء هنا إلى مواقع الترويج الإلكترونية وهم يلتقون بحرية تامة في العمل والشارع والملهى وحتى البيت . هناك عامل آخر يشكل حاجزاً لا يمكن تجاهله في سبيل الزواج هذه الأيام يتمثل في مستوى التحرر الذي بلغته المرأة ما شكل عقده لدى الرجل الذي اعتاد تاريخياً التميز والتفوق وها هو يجد أمامه نموذج المرأة العصرية التي تصر على انتزاع الندية الكاملة يساندها في ذلك القانون العصري كل هذه العوامل جعلت من الإنترنت هي الوسيلة الأقدر على القيام بدور الخاطبة في التوفيق بين الرجال والنساء هنا نصل إلى بيت القصيد فالخبراء لا ينفكون يحذرون من أن الإنترنت تمثل في أحد جوانبها عدواناً لا هوادة فيه على النسيج الاجتماعي والتماسك المجتمعي .

 وأبسط الفرضيات في هذا المجال هي أنه كلما ازدادت ساعات استخدام الانترنت في مجتمع من المجتمعات فإن ذلك يعني تناقص الساعات التي يمضيها الناس مع بعضهم بعضاً ويستتبع ذلك تناقض مهارات التواصل بين الناس صغاراً وكباراً وتنائى العواطف والأحاسيس وجفاف العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة وزيادة معدلات الشعور بالقلق والوحدة . والتوتر والضغط.

 إن دور الإنترنت في تغريب الناس وإلقائهم في مهب الوحشة   والإغتراب يضع المرء أمام تساؤل عن فرضية أن الإنترنت هي الدافع الأكبر لتشكيل ما يسمى بـ ( القرية العالمية ) فإن كانت الشبكة تفرق أبناء الأسرة الواحدة فكيف بها أن تجمع شمل سكان الأرض ليصبحوا عائلة واحدة .

 فقد بات من الأولى أن يتم وصف الإنترنت أداة تدمير الإنسان لنفسه وللمجتمع بدلاً من كونها قناة الوصول إلى القرية العالمية الواحدة وبهذا المعنى فمن غير المنطقي وغير المعقول أن يتم وصف الإنترنت بأنها خاطئة هذا الزمان .

 من الصحيح أن الأنترنت جعلت من التعارف بين أبناء الجنسين أمراً سهلاً وبالتالي ربما سهلت إمكان الزواج في عصر غابت فيه الخاطبة التقليدية ولكن  هذه التسهيل هو أشبه بسياسة الباب الدوار الذي يقود إلى اتجاهين متعاكسين فهي سهلت الزواج والطلاق بالمقدار نفسه وأضفت عليها حالة من السهولة الفائقة .

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار