أهل القرى يعتاشون من أسواق المدينة

الوحدة : 17-5-2020

تراهم مدججين بأكياس في الأيدي، وأخرى محملة على الأكتاف، وقد نفخت بطونها بأنواع من الفاكهة والخضار، فإن كانوا في الكراج ينتظرون الباص فقد عصي عليهم التدفيش عند الازدحام وما أكثره، وإن لقوا مقعداً لراكب واحد فقط فهم محشورون وبأكياسهم منزعجون وفاترون، وإن جاءت مفارقهم على الطرقات حطوا الرحال بقواهم المنهكة والخطى وئيدة فيمشون الهنيهة والأنفاس باستعجال، ولما لعجلة وقد وصلوا الدار (الله يعطيك العافية يا أبو دياب) وكيف له العافية والصحة ومن أين وهو يترك أرضه بوراً دون زرع وحصاد والجميع قد انفض من حوله بعد أن استنفر لبيعها واستبدالها بمحل تجاري أو لبدء مشروع جديد، ليصل به الأمر أن يشتري باقة البقدونس من أسواق المدينة والبازار.

أبو دياب: ما باليد حيلة زرعت (السكوبة) مرتين ولم تنبت، وبما أني موظف وأقصد المدينة كل يوم وأقضي معظم وقتي فيها فلا ضرر ولا ضرار من أن أمر في طريقي إلى سوق الخضار وأشتري بعض ما يلزم زوجتي للطبخ وقد أوصتني عليها وسجلتها في عقلي من التكرار (ولا تنسى) لأننا نعاني من قيظ الأسعار بالدكاكين والسوبرماركات والمحلات وكأننا نعيش في استجمام وسياحة ببلاش، لمجرد أن نقول أن مشقيتا قرية سياحية لتندلع فيها حرائق ولهيب أسعار جميع المواد فلا نستطيع منها الاقتراب ولا حتى التصوير، ولا عيب أن نستجير بأسواق المدينة التي نجد فيها الفروق كبيرة ويمكن في بعض الحيان أن تأخذ كليو عندنا بسعر الكيلوين من المدينة، أي أن تشبع وتهنأ في لقمتك وفيها الصحة والعافية.

إذا كان أبو دياب موظفاً فإن أبا غيث غير موظف  لكنه يقصد المدينة يومياً ويظنه الجميع موظفاً إلى أن أفشى سره بعد السؤال إليه وقد تعجب كثيراً لأمر هؤلاء الناس، فهو سكن قريته البعيدة عنها المواصلات منذ أكثر من عشر سنوات ولم يكن فيها هذا السوق الكبير، ويقتصر أمرها في دكان وليس فيه خضار وفاكهة  والناس تزرعها وتجنيها، وكل ما تحتويه بعض أقراص الحلوى والمصاص والعلكة ولا (بذورات) مع خيوط وبعض المنظفات، أشار بأنه تقريباً كل يوم يأتي إلى سوق المدينة ليحضر لزوجته والأولاد ما يحتاجونه والحاجات كثيرة من الفروج إلى البيض والفاكهة والخضار وأيضاً لوازم البيت وأغراضه، وليس بقصد التوفير أو الاستغلال الذي نعانيه من التجار بغرض الاحتكار وبيعه بسعر فائض ومستفيض، بل لأنه يريد أن يملأ وقته ويومه بشيء مفيد يسليه ويبعده عن مشاحنات الأقارب وليس بيده حيلة وأرضه مشجرة بالزيتون ولا مكان فيها لزرع الخضار.

 أم جعفر تراها تقصد المدينة كل يوم ولم تحجم عن الأمر غير بعض الأيام الأولى من العطلة وقد عادت إليها اليوم بخضرواتها التي لا تتجاوز بعض الكيلوات من ورق العنب والأكي دنيا والبقدونس والنعناع التي لم يعص عليها حملها وقد لمتها من حديقة دارها لتعتاش من بيعها في المدينة وقد عبقت بعطرها البهي ونضارتها، وكل من يمر بها يرمقها بنظرات إعجاب لينحني لها ويحملها للأحباب.

أما في خطوة عكسية من أهل المدينة فهم يبغون فيها كل شيء طبيعي وصحي وبعيد عن الجراثيم وملوثات المدينة والمخلفات فإن أكثرهم يقصد القرى القريبة لشراء الخضار العطرة الزكية التي تبث الحيوية والانتعاش وحتى يشترون اللحوم وما تخبئه التخوم من أوراق وزهور وزيوت ومقطرات  وغيرها الكثير ولو كانت بأسعار أعلى من السوق.

هدى سلوم!

تصفح المزيد..
آخر الأخبار