مصادرة العواطف….

الوحدة : 13-5-2020

تعصف روحك حلكة الحزن والانكسار، فتشرد في دروب الضياع تائهاً، متثاقل الخطوات، تبحث عن نفسك بين أكوام الأحلام التي كنستها رياح الإحباط وعواصف الحصار، وألقتها على الأرصفة الباردة القذرة في انتظار نقلها إلى مقابر النسيان، آملاً أن تجد طيفاً خفياً عابراً ينتشلك من عوالمك المغنية الخالية من الأفراح الطارئة.

فجأة وفي الطرف القصي من الزقاق الطويل المسكون بلون رمادي داكن تومض ابتسامة امرأة فاتنة، ثم تنطفئ فيزغرد القلب، وتعود حرارة الحياة إلى جسدك الموهن، وتحث السير للوصول إلى المكان المشتهى.

هذه الحقيقة التي خاض تجربتها كثير من الرجال اليائسين، لم تجعل موقع الأنثى في المجتمعات خاصة العربية منها يرتقي إلى السدة التي يستحقها، بل لا يزال الذكور يمارسون طغيانهم وقمعهم وحصارهم ضد تلك الكائنات الناعمة التي تشكل النكهة الأجمل في الوجود، إذ يتناسون ما تقدمه لهم من عطاءات لا تحد، لعل أهمها فسحة الحب والأمل على عكسهن تماماً حيث يبقى الحب في قلوبهن أربعين سنة ولا يبقى في قلب الرجل يوماً واحداً (كما يقول الإمام علي كرم الله وجهه) وتحتفظ ذواكرهن بكل كلمة طيبة تدغدغ الأحاسيس النبيلة، فعندما يقول الرجل للمرأة إني أحبك يبقى في خيالها ومشاعرها على مدى السنوات الطويلة لأنها نموذج فريد في تأثرها بالكلمة التي من شأنها إثارة العواطف الباطنية والمشاعر الوجدانية فهي مجبولة على التأثر بما يناسب جوهرها وحقيقتها، وعلى الرغم من ذلك فإن طبيعة مجتمعاتنا تفرض على المرأة الكثير من القرارات الذكورية الجائرة  التي لا تريدها من دون أن يكون لها حق الاعتراض والرفض.

ومن أكثرها قهراً وبؤساً مسألة اختيار الشريك ومصادرة العواطف فكم من فتاة أو امرأة أجبرت على الزواج من رجل لا يناسبها شكلاً  أو مضموناً لأن مشيئة الأب أو الأخ أرادت ذلك.

وكم من امرأة تعيش حياة زاخرة بالألم والمعاناة مع زوج متخلف متجبر لكونها تخشى الانفصال والمطالبة بحقوقها الإنسانية لأن المجتمع حينذاك يتكالب عليها في السر والعلن وينهك ساعاتها بالشائعات والأكاذيب وتحاصرها قطعان الذكور في كل الأمكنة محاولين اقتناصها باعتبارها لقمة سائغة كما تصور لهم خيالاتهم المريضة.

إنه واقع يتحمل الرجل جزءاً كبيراً من مسؤولية تناقضاته الغريبة فهو يريد الابتسامة الزاهية الصافية التي تعيد إليه فسحة الأمل في أرذل الأوقات ويقمع كل حق للمرأة في الابتسام والحب والحرية.

وقد قال أحد الشعراء: كم من مهرة عربية من الناس قد بليت بوغد يقودها يوسوس وما يدري لها من سياسة يريد بها أشياء ليست تريدها ويروى أن عمر بن قحطان دخل على امرأته حمدة وقد تزينت وكانت امرأة جميلة بينما كان هو قصير قبيح فلما نظر إليها ازدادت في عينه حسناً فلم يستطيع ان يصرف بصره عنها فقالت مالك؟ قال والله أصبحت جميلة فقالت له أبشر فإني وإياك في الجنة قال ومن أين علمت هذا قالت أُعطيت مثلي فشكرت وأُعطيت مثالك فصبرت والشاكر والصابر في الجنة.

ولو غص في جعبة الحكايات لاكتشفنا حوادث ووقائع غاية في القهر والمآسي ووقفنا على قصص تفطر القلوب ضحاياها نساء كالورود التي تذوي شيئاً فشيئاً بسبب جحيم القمع الذكوري ورياح الخماسين الاجتماعية المحملة بذرات رمال ساخنة تخرج وريقاتها الناعمة حتى تكاد تدميها.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار