الغيرة السلبية في المجتمع… أسبابها… مظاهرها… والحل عند ذوي الاختصاص

الوحدة : 12-5-2020

إن الاختلاف الكبير بين الحب والكره تبقى آثاره واضحة المعالم على وجوهنا نحن البشر، فأي شعور يعترينا مهما أخفيناه سيفضحنا في أي لحظة، وخاصة في اللحظات الحاسمة كالغضب وفقدان السيطرة ومواقف كثيرة، إلا أن  القضيتين الاجتماعيتين سابقتي الذكر تتفقان بوجود صفة مشتركة بينهما ألا وهي الغيرة، والتي يترجمها أصحابها بعبارات ودلالات مختلفة، كل حسب شعوره من حب أو كره لغيره، وهذا مرتبط بالمواقف والظروف مما ينجم عنه نوعان للغيرة في عالمنا الداخلي نحن كبشر، إما غيرة سلبية والتي كف ميزانها الراجح يطفو بالحقد والكره والأمراض النفسية المرتبطة بظروف أصحابها والتي من شأنها تدمير الآخرين والانتقام منهم، والنوع الآخر هو الغيرة الإيجابية التي يطفو كف ميزانها بالحب والخير والتماسك وإثبات الذات والنجاح مع الحفاظ على الآخرين، وربما من أجل إسعادهم، إذ أن شعور الغيرة هو شعور عام لدى جميع البشر دون استثناء، إلا أنه مختلف  بين شرائح المجتمع من أطفال ونساء ورجال، وهذا مرتبط  بأسباب مختلفة متعلقة بالأسرة والمجتمع، وقد تلعب الظروف والأحداث المتتالية دوراً كبيراً في تأجيج شعور الغيرة لدى البشر لينتج عنها إما أفعال وسلوكيات إيجابية هدفها الحفاظ على الأحبة، أو سلوكيات عدوانية هدفها الانتقام والتخريب، وهنا تصبح الغيرة العمياء مرضاً نفسياً لا بد من البحث عن أسبابه ودرئه وعلاجه قبل سيطرته على الشخص الذي من شأنه في حال إهماله ارتكاب الجرائم التي تدمره، وتدمر الآخرين.

ولشرح مظاهر الغيرة في المجتمع وأسبابها وكيفية التعامل معها في حال تجاوزت الحدود الطبيعية للسلوك البشري والإنساني، التقينا عدداً من الأشخاص الذين عبر بعضهم عن هذا الشعور تجاه الآخرين دون تردد، وبعضهم الآخر نقل لنا معاناته من معاملة الغير واللافتة للاستغراب والتي عزوها لمرض نفسي أو مشكلة ما في  تكوينهم العاطفي منذ الصغر.

تقول ريتا: كنت بعمر ٧ سنوات عندما استيقظت على المشاكل والخلافات الزوجية بين أمي وأبي، وذلك بسبب الغيرة والشك بينهما، إذ كانت أمي غيورة جداً على أبي من النساء، مراراً وتكراراً أستيقظ وأنام على مشاكلهما وصراخهما إلى أن انتهت علاقتهما بالطلاق، أبي هاجر خارج البلاد، وبقينا نحن مع أمي التي ربتنا واهتمت بنا، ولكن للأسف مشاكلهما ولدت في داخلي معاناة لم أفهمها إلا مؤخراً، وهي عدم الثقة بالرجال، والغيرة العمياء، وهذا ما لحظته أثناء ارتباطي لأول مرة في سن ٢٢من عمري، عندما تقدم شاب لخطوبتي، وقد تعلقت به كثيراً، إلا أن غيرتي عليه كانت غير محدودة، وقد وصلت مرحلة التملك، وكنت أمنعه من الحديث مع أي فتاة من أقاربه أو حتى صديقاته في العمل، حاولت السيطرة على غيرتي ولم أستطع، لتبدأ المشاكل بيننا التي انتهت بالانفصال، وقد حظيت بعد مرور سنتين بارتباط آخر وانتهى كسابقه بالفشل بسبب غيرتي التي لحظت فيها نفسي عدم ثقتي بالآخرين وخاصة الرجال وحب التملك وربما نقص عاطفي بسبب أهلي ومشاكلهم.

شيرين بعمر ٢٧عاماً متزوجة تقول: الحمد لله علاقتي بزوجي جيدة، أنا أحبه وأغار عليه، ولكن بحدود، وهو كذلك الأمر، ونحن الاثنان قادران على تجاوز أي سوء تفاهم أو مشكلة بيننا، فأنا أعتبر أن الغيرة المبالغ بها مرضاً نفسياً، والتي ألتمسها بإحدى جاراتي الغيورات، فكثير من التصرفات التي تفعلها أراها غير طبيعية، كتقليدي بأي شيء، فعند شرائي أي غرض أو لباس ما، ستذهب في اليوم التالي للسوق وتشتري مثله تماماً، وبنفس اللون وأي شيء أفعله تريد أن تفعل مثله بأي طريقة، حتى جاراتي قد لاحظن عليها كيف تقلدني بأي شيء، وهن يدركن غيرتها مني، علماً أنه لا توجد أي خلافات بيننا، ولكن على ما أظن أنها تعاني من مشكلة نفسية ما، أو ربما لديها عقدة نقص، فالشخص الذي لا يستطيع اتخاذ واختيار الأشياء الخاصة به بملء إرادته دليل على أنه عديم الثقة بنفسه وينتظر ما يقرره ويفعله الآخرون ليقلدهم.

أم علاء ترى أن الغيرة لها أشكالاً مختلفة قد تكون إيجابية، وكثيراً ما تكون سلبية، وهي تبدي إعجابها بولدها البالغ من العمر ٩ سنوات نتيجة غيرته الإيجابية من زميله المتفوق والذي يحبه كثيراً، فولدي علاء يحاول  منافسة زميله ويهتم بدراسته لكي يصل لنفس مستواه، وأنا معجبة بهذا النوع من الغيرة بين الأطفال لأنها عندما تستثمر بشكل صحيح من قبل الأهل مع التشجيع ستزيد من اجتهاد الأبناء وإثبات وجودهم، بعيداً عن الأنانية وحب الذات وبمراقبة أبوية لسلوك أطفالهم وأبنائهم أي تحفيز روح المنافسة فيما بينهم ضمن إطار المحبة والحفاظ على علاقاتهم فيما بينهم

الدكتورة ليلى شريف اختصاصية علاج نفسي جامعة تشرين ترى أن الشخص غير الآمن يكون عرضة للتشكك في الطرف الثاني والتشكك في استمرارية العلاقة موضحة أن نمط التعلق غير الآمن مرتبط باضطراب الشخصية أي أن الشعور بعدم الأمان والنقص العاطفي يجعلان الشخص غيوراً، وكلما اشتد الشعور بالنقص وعدم الأمان أصبحت الغيرة مرضية وارتيابية، والغيرة بنظر الدكتورة شريف ليست وراثية، وترتبط بالأنانية والتملك في بعض جوانبها، كما هو الحال عند الطفل أثناء التدليل والاهتمام المفرط من قبل الأهل، وتؤكد الدكتورة شريف أن كل أشكال الغيرة سلبية إلا ما كان منها تنافسياً على مستوى تحسين وتطوير الذات علمياً وعملياً وإنتاجياً وغيره.

وعن مظاهر الغيرة السلبية تضيف أنها واضحة في حالات وأماكن كثيرة، كما هو في العلاقات الزوجية أثناء حدوث المشاحنات اليومية والتوتر، وما ينجم عنهما من إهمال للأطفال وتفكك الأسرة، مما يؤدي بدوره إلى آثار سلبية على نفسية الأطفال وأمانهم النفسي.

وتشير الدكتورة شريف إلى حالات أخرى للغيرة السلبية بين الأطفال والتي تظهر لديهم بسبب المقارنة والاستفزاز بالتمييز والثناء على بعضهم أمام الآخر الذي سيولد شعور الغيرة أو النقص ربما.

وتشدد الدكتورة ليلى على أهمية العلاج النفسي في حال أصبحت الغيرة مرضية فلابد من اللجوء للمختصين النفسيين لتفادي تأزم الحالة، والتي إهمالها سيخلف نتائج مخيفة كالانفصال والطلاق وتفكك الأسرة وربما حدوث جرائم تودي بهم إلى القتل.

يبقى الحب أهم سمات الإنسانية، وعندما تسمو الإنسانية وترتقي بعيداً عن أي شائبة تدنسها ستنجح مجتمعاتها بتخطي جميع العقبات التي من شأنها تعطيل تقدمها من خلال تماسكها الإنساني، لذا تعتبر الغيرة السلبية عاهة ومرضاً نفسياً يشل فكر وتقدم الأفراد، هذا المرض الذي سببته الظروف والأحداث والتي رافقتهم منذ الصغر، وهنا لابد من الإشارة والتأكيد على أهمية علم النفس والإرشاد النفسي الذي لابد من تفعيل دوره في كل مظاهر الحياة من المنزل إلى المدرسة والجامعة والعمل وغيره، وبالتالي الحفاظ على استقرار الأفراد النفسي، والذي سيمكنهم من السيطرة على جميع المواقف والظروف التي قد تعترضهم.

جراح عدره

تصفح المزيد..
آخر الأخبار