العطلة زادت بالطين بلة!

الوحدة : 10-5-2020

الجميع يغطون في نوم عميق، ولا حركة ولا حراك ولا باب رزق مفتوح، والشمس تطرق نوافذهم المرخية الستار، والنهار قد أدركهم بساعاته الطوال، كنا نعلم أن هذا يصيب أهل المدينة والشباب، لكنه اليوم استطال وطال أهل القرية صغارها وحتى كبارها من المزارعين، وتراهم متكاسلين وبحق أراضيهم ومزارعهم مجحفين، فما عادوا بوجه الصباح يتصبحون وبشمس النهار يستعجلون، فخسروا زراعتهم ومعاشهم ووضعوا الحجة على مشجب بأن أرضهم شحيحة (وما عادت تجيب همها)

لم يعد الطالب طالباً ولا الموظف موظفاً ولا الفلاح فلاحاً وجميعهم في فلك المدنية يسبحون، ليكون عندهم النهار ليلاً والليل نهاراً وليس لقيام فيه وعبادة أو صلاة إنما للهو ولمشاغل الحياة ومقاهيها، فتسمع القهقهات على مسارح الليل وفي بيوت العائلات وكأننا في منتصف النهار، وينسى كل منهم أن لديه الكثير من الأعمال والواجبات في النهار ولو كنا في عطلة وحرب ووباء أو حتى أيام رمضان، فقد أوصوا  بالنوم الكافي لزيادة مناعة الجسم لكن هذا القول يأتي على النوم الكافي في ظلمة الليل وليس النوم في وضح النهار، إذ أن انقلاب الساعة البيولوجية للجسم ومعاندة الطبيعة الكونية وقلبها رأساً على عقب  يصيبنا بالعلل والجلطات وتصلب الشرايين والموت المفاجئ والسمنة والسكري وتشويش الرؤية وقلة التركيز والأرق والنسيان والاكتئاب وأيضاً شحوب البشرة وظهور التجاعيد والهالات السوداء حول العينين والشيخوخة المبكرة، ناهيك عن افتقادك للأصحاب وافتقارك للمحيط الاجتماعي واستبداله بعالم افتراضي وهمي على مواقع التواصل والذي انتشر اليوم كانتشار النار في الهشيم لتكون في عزلة وانطواء متقلب المزاج وفي تشاؤم وإحباط وهو ما تؤكده الدراسات على أضرار السهر ومجافاة النوم لعينيك في الليل.

لقد عاش جدي لأكثر من مئة عام وهو لم يقصد المدينة طلباً لطبيب ولم يشكُ يوماً من الوجع والآلام رغم التعب من أعماله الزراعية التي ندعوها بالأعمال الشاقة وحتى المؤبدة لأن الأرض تعلقك بها وتمسك أطرافها وأهدابها وتشدك بيديك فلا أجمل أن تلاقيها بوجه الصباح الغيور لتعيش أياماً زيادة وسنوات بسعادة وهناء.

جارتي تضحك علي عندما أقول لها أني استيقظت باكراً قبل طلوع الشمس، فترد (بتنامي قبل الجيجات وشو اللي جابرك تفيقي بكير وشو وراك لا شغل ولا مشغلة) وقد أرخت أشغالها وأعمالها للشغالة التي رأيتها أكثر منها شباباً وصحة وحيوية بل تبدو أصغر منها سناً مع أنها تتجاوزها في العمر  بسنين تصل العشرة.

أحب أن أرى وجه الصباح وقد كسته حمرة خجولة من وهج الشمس، لكني أحس بالوحدة فلا أحد قد أفاق وكل من حولي نيام، أود لو تعود طبلة أبو رفيق ويجول في المكان ويهتف فيهم وينادي ولو من بعيد (يا فايق وحد الدايم) ألا لنا أن نصحو على الواقع المرير الذي خلفناه وخلقناه بأيدينا تحت وسائد النهار، لنكون متعبين ومريضين وشاكين من الحياة؟

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار