لستَ مهزوماً ما دمت تقاوم..

الوحدة : 9-5-2020

المقاومة أن تكتب عن الجدار، وعن الفلاح، والتلمیذ وربة المنزل، أن تكتب للزمن القادم وتمدّ إليه خیوط روحك المنتظرة، أن تكتب عن الإنسان للإنسان، الأدب على الجبھة وفي الجبھة  لیس سهلاً تحدید مكانه، ولكن مكانته محددة معلومة، إنه في المقدمة، يوثق وینقل ویعبّر ویقول: إنَّه الروح التي لا تتحرك… هذا ما استهل به الدكتور منيف حميدوش حديثة وهو دكتور في الأدب العربي في جامعه تشرين حين سألناه عن كتابه الذي حمل عنوان (أدب المقاومة) وأضاف: فعل المقاومة یبدأ بالكلمة، ترافقه وتحدو مسیرته، وترسم آفاقه وتقف على أحلامه.

والرسالة: أنه نحن باقون ما بقي الزعتر والزیتون، وما بقيت الكلمة، وما بقي الدم المتدافع في العروق مع الكلمة واللحن والأفق المفتوح على الجمال المشتھى.

فالإرادة هي الفكرة، والعزيمة هي الروح، فللمقاومة في الأدب تحدیداً ركیزتان ھما: الثقة والانتماء، كي ندافع ونقاوم بالرفض وعدم التقبل، لابد لنا أن نثق بما نقاوم لأجله وننتمي إلیه.

والسؤال المهم والجدي الذي تناوله الكتاب لماذا نقاوم؟ ماذا نھدف من أدب المقاومة في ظل غیاب بوصلة حقیقیة، یمثل الأدب المقاوم دوره بھا من خلال زمجرة صمت الكلمات كما أوضح د .حميدوش محتوى الكتاب في نقاط عده منها:

  • المقاومة مواكبة اللحظة وكان قادراً على إلهاب حماس المقاومين ورفع روحهم المعنوية والتوعية بصورة غير مباشرة بسبل الصمود والتحمل، عن طريق الشعر والكتابة القصصية والمقال الأدبي الذي استطاع أن يلتقط لحظة ما ويعبر عنها بحساسية عالية.
  • المقاومة والبطولة صنوان، معاً يقترنان، وفي شخصٍ واحدٍ يجتمعان، وفيه لا يفترقان، فمن قاوم منتظراً النصر أو الشهادة عُدّ بين الناس بطلاً، وعند الله إن قتل شهيداً، فلا يبالي على أي جنبٍ كان في الله ومن أجل الوطن مصرعه، في شارعٍ أو في بيت، في سيارةٍ أو على دراجة، راكباً كان أو ماشياً، وحده كان أو برفقة مقاومين آخرين، بعد أن سكنته المقاومة وعاشت في ثنايا فكره وخفايا عقله، فكانت معه في أحلامه وعند يقظته، تسكنه ولا تفارقه، لا يهمه أين يكون، المهم أن يبقى مقاوماً، ولا يحزنه مسكنه إن كان في العراء، أو كهوف الجبال، مطارداً في البساتين أو ملاحقاً في الأدغال، ولكن الأهم أن تبقى البندقية على كتفه، وإرادة القتال تسكن قلبه، ولا يقلقه إن التف حوله الناس ورام معه المريدون، وهتف لحياته المعجبون، فهمه أن تلتف حوله الملائكة، وأن تقاتل معه وتنتصر لأجله، فتلك هي أحلامه وهي غاية ما يتمنى.

عندما نذكر كلمة مقاومة نتذكر معها دمشق، وفي ذلك سرُّ…

  • نقول لدمشق: دمشق أرض الديانات والعبقرية، والأسطورة، والخيال في أرضكِ أنت تداخلت هذه المكونات لتصنع سيفك الذي جاب الدنيا ودافع عن العرب والعروبة والإسلام والمسيحية وصنع الحضارة وسطر التاريخ، وحير الدنيا وكان سراً من أسرارك.
  • دمشق لأن اسمك مشتقٌ من النَّاقة الدّمشق، ومشتق من اسم بانيها دماشق بن قاني، لأنَّ اسمك مشتق من المسك المضاعف ، لأنَّ اسمك مشتق من البطل الأسطوري (دمسكوس) ابن الإله (هرمس)…. لأنَّ الآراميين سموك درمسق، لأنّك مدينة العازر، ومدينة النعمان السرياني ، وبيت الإله رامون، وجلّق وجيرون، لأنّك دمشق الشّام دمشق التاريخ، دمشق العرب، وإرمٍ ذات العماد، وحضارة الرَوم وحصن الشّام وباب الكعبة ، وفسطاط المسلمين والعذراء، وقاعدة وادي سورية والفيحاء، لأنّك ملتقى المسيحية والإسلام، لأنَّك جنَّة اللَّه على الأرض.

دمشقُ الأميرة الآراميّة الآشوريّة، الأمويَّة العبّاسيّة الفاطميّة التي مرَّ على أرضها الكنعانيون، الحيثيون، البابليون، الإغريق، الرّومان، النبطيون، البيزنطيون، العثمانيون، الفرنسيون، التكفيريون الذين حاولوا تشويه صورة سورية، لكنهم خسئوا كما غيرهم من أسلافهم الغزاة.

في لقاء مع د .حميدوش تحدث عن الربيع العربي الكاذب والذي سمى التحرك المسلح في سورية (ثورة)، وتدفقت أموال الخليج العربي والنفط العربي على ما اصطلح تسميته بالربيع العربي، وتم استيراد المرتزقة من جميع، وما حصل في بعض الدول العربية كان جلَّ اهتمامها أن ينقل إلى سورية مهد ثقافة المقاومة، والبلد الذي يعتمد على ذاته، ولديه نوع من الاكتفاء الذاتي على الصعيد الاقتصادي، ولا يترتب على شعبه أي مديونية خارجية، فكانت سورية بالمرصاد، وسورية بعد مرور سنوات تسع لم تتنازل عن ثقافة المقاومة، ورفضت كل الإغراءات مقابل هذه التنازلات.

وقد تناول الكتاب دراسة تجربة حزب الله وعوامل نجاح المقاومة الإسلامية في لبنان وأهم ما ميز الفكر المقاوم عند (حزب الله) إصراره على فصل المقاومة عن السلطة رغم أن الحزب حظي بشعبية واسعة أهّلته ليحظى بشرعية تمثيلية, أيضاً سعى للابتعاد عن أسلمة المجتمع على غرار التجارب الإسلامية في مصر والجزائر وسواهما، أي عدم التصادم مع المجتمع، دون التنازل عن الدعوة، كما أنَّه أبى أن يوظف المقاومة وانتصاراتها للحصول على مكاسب سياسية ..

وقد طرح الكتاب الانتماء الوطني القومي، وموضوع الهوية والانتماء، إضافة إلى طبيعة الفكر المقاوم.

وضم الكتاب موضوعاً (أيهما أكثر تأثيراً: الشعر أم المقاومة)؟

  • دور الشاعر أن يغمس قلمه في محبرة السطوع المقاوم، في أن يكون أحد جنود الصراع كي يحفظ مستقبل القصيدة من التلوث ومستقبل أبناء بلاده من السقوط في البئر!..

القلم سلاح فعال كما البندقية، والشاعر الشاعر بإمكانه أن يكون مقاتلاً ومقاوماً، وأن يجعل من قصيدته وسيلة للدفاع عن كرامة وطنه والحفاظ على مقاومة هذا الوطن، كي يحقق حلم القصيدة بطائر الحرية يحلق في فضاءات الواقع، لا في فضاء التخيل فقط؟!…

  • صورة الوطن اختلفت… التراب ارتفع إلى مقام النشيد، واللغة توضأت بالدم، وصار القلم كما السيف قادراً على الفعل.
  • وعلى صعيد الأدوار التاريخية كانت دمشق عاصمة أكبر إمبراطورية عربية في التاريخ وفي دمشق وضعت ونفذت خطط الثورة العربية الكبرى عام 1916ورفع العلم العربي في سمائها عام 1918 معلناً قيام الدولة العربية التي ناضل أحرار العرب من أجلها لتكون نواة للدولة العربية المنشودة ومن سورية انطلق الفكر القومي
  • طرح أيضاً موضوع المقاومة والصراع الفكري من عدة أبعاد منها البعد السياسي والعسكري البعد الفكري (الأدبي، الإعلامي، الرسوم)، والاجتماعي والاقتصادي

والأدبي.

بدا الحدث السوري أكبر بكثير من وسائل الكتابة نفسها، لكن السؤال: هل وجدت القصيدة لتقوم بدور آلة الرافعة؟

ونأتي إلى الشكل الإعلامي اليوم لعله من أخطر أنواع الوقاية إذا نجح في ردع العدو، إذاً يكون قد جنب الوطن كثيراً من المخاطر ولذلك نحن نستطيع القول أن العراق سقط إعلامياً قبل أن يسقط عسكرياً وفي معركتنا الحالية الآن ينبغي أن نعد العدة وأن نرسل كل قدراتنا في مختلف الاتجاهات وأن يصل صوتنا من خلال بيان الحقائق الأساسية في أن ما تتعرض له سورية إنما هو عدوان سافر على سيادة دولة وشعب ينبغي أن نبين أن هذا العدوان المستمر هو من أجل القضاء على القطر العربي السوري دولة وجيشاً واقتصاداً وجعله تابعاً للسياسة الغربية..

هذا وقد طرح الكتاب موضوع العجز العربي منذ 1948، وحرب الخليج الأولى والثانية وأثرهما على وحدة النضال العربي، فالنموذج الأسري الاجتماعي السوري يحارب اليوم، لأن الأسرة السورية فريدة في العالم بمحبتها وتضامنها وتوحدها أمام الصعاب، ويعرض الكتاب عدداً من القصص والمآسي للحرب المجرمة على سورية، وللآثار النفسية التي أفرزتها الأزمة السورية هي: الصدمات العاطفية أولاً نتيجة فقد أو استشهاد عزيز أو قريب, القلق والاضطراب والتشاؤم ثانياً, ونتيجة طول الأزمة أصبحت بعض الأسر عصابية في تصرفاتها, وبعضهم الآخر متشائم سوداوي فقد الثقة بالآخر, وبرزت الأنانية في تفضيل الذات على الآخرين, وضياع قيمة الإيثار وظهور ظواهر سلبية قام بها تجار الأزمة عبر احتكارهم المواد والسلع الأساسية ورفع أسعارها.

أما عن الأطفال فهم الحلقة الأضعف، كشهداء مدارس حمص الذي ذهب ضحيتها عشرات الأطفال.

وعن البعد الاقتصادي تحدث د حميدوش قائلاً: تشهد سورية منذ سنة 2011 حرباً كونية ظالمة ومدمرة تستهدف الحجر والشجر والبشر، أسفرت عن دمار إنساني واجتماعي واقتصادي كبير، وما زالت الحرب تعطل بشكل كبير إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها وتعوق النشاط الاقتصادي، ويتواصل الضرر المادي، وتراجع تأمين الغذاء والخدمات الصحية، وتنامي البطالة، والفقر، وتراجع تقديم الخدمات العامة ذات التأثير الكبير على مجمل السكان.

بتول حبيب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار