الشهيدة سهام شبل أم الجنود.. وقلب يضج بعطره

الوحدة : 7-5-2020

بصدى لا يغيب عجنت تلك الأم الحنون التي امتد عطاؤها إلى أولاد وطنها أجمعين، الذين رابطوا على التخوم وسيجوه بأكتافهم جداراً عصياً على أعدائهم المرور، وليكونوا بارتياح كانت الأم التي تغار عليهم لتصنع لهم الأطياب وتحملها إليهم وسط الطريق الشائك والمعبد بالألغام، لم تثنيها صواريخ ولا طلق نيران حاقد من عدو غدار، وكل ما في عقلها وفؤادها أن تطل عليهم بوجبات تمنحهم فيها الصحة والقوة والاندفاع، وما إن يلاقوها بأنظارهم حتى يبادروها بأمي ماذا طبخت لنا اليوم؟ حيث تمتزج رائحة البارود برائحة ذكية ونكهتها تشبه أمهاتهم البعيدات القريبات، فتصبح مرايا للروح و لتعود وقد امتلأت بوطن يسكن فيها الفؤاد، لكنها عام 2016 لم تعد إلى مطبخها الذي قومت له البناء (مطابخ أمهات الشهداء) بعد أن ترصدتها نيران الإرهاب بصاروخ دمر سيارة تركبها وفجر فيها الجسد وبقي القلب ينضح بعطره إلى اليوم.

هي الأم والمهندسة والمناضلة والشهيدة التي خلفت وراءها ولدين شابين وذكريات لا تنسى، من ضجيجها في مطبخها الذي صنعت فيه أول طبخة لتقدمها لرجال جيشنا الأبطال على حاجز قريب من بيتها ثم بدأت جاراتها بالمشاركة معها كل في مطبخها إلى أن توسعت دائرة مبادراتها ووصلت لجبلة وبانياس وباقي المحافظات لقد نوعت فيه ليشعر الواحد منهم أنه في بيته وبين كنف أمه ونكهتها، ولم تقف عند ذلك لتتوسع بنشاطها مع نساء قدموا إليها ليكون معها داعمات ومساندات، ليكون المطبخ ورشة عمل حقيقية ويومية مكتنزة بخيرات المزارعين الخيرين وما استحضر لمونة الشتاء، وحتى أنها في رمضان  هي الأم التي لمت العائلة والأولاد حول موائدها التي حاولت فيها أن تتنوع الألوان والأصناف مع حلوى الانتصار.

حكايتها عالقة في القلب والوجدان.. أذكر حين قابلتها لأجل لقاء صحفي رفضت أن أصورها وحتى أنها طوال أيام وسنوات من العمل المضني لم تضع صورة لنفسها على الفيس ومواقع التواصل الاجتماعي قبل يومين فقط من شهادتها، وكأن قلبها أحسها بالأمر (قلب المؤمن دليله) وحتى أني في مقابلتها أمضيت وقتاً طويلاً إلى أن أقنعتها وأن مطبخها دخل التاريخ السوري من أوسع أبوابه وهي مع مجموعتها من المقاومات والمناضلات فقد طال صيتهن أكثر من 122دولة ونشرت الأخبار عنهن بصبرهن وتضحياتهن وأعمالهن، ليكون نموذجاً يحتذى في أوكرانيا وغزة والعراق، عندها حزت بفرصتي معها ببعض الكلام، وقد وصلت فيه أنها كانت تسألهم عما يحبون من طعام وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم وتحادثهم بأبسط تفاصيل حياتهم، ومنهم من كان يطلب منها أن تنتقي له عروساً وتخطب له، ولم تكن لتخيب أمل أحد فيهم، ولم يخب أملها ورجاؤها أن تكون شهيدة فداء لهذا الوطن الذي عشعش داخلها وامتلأت به ومنه، وكان لها الشهادة في خلايا تراب سقته بدمها لتنمو نرجس وأقحوان.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار