كيف للمسلسلات المدبلجة أن تقتحم تفكير أولادنا في عقر دارنا؟

الوحدة : 20-4-2020

(ماما لقد جاءت الكهرباء، أين الكونترول، أشغلي التلفاز حان وقت مشوار عمري وبعده قدري بلا لون) والأم تسمع وتطيع لتضع القناة التي باتت صغيرتها بعمر العشر سنوات مولعة فيها بالمسلسلات الهندية.

كنا بـ (نور ومهند) وسنوات الضياع بـ (لميس) عند المراهقين والشباب واليوم بـ (شيف وغانغا) هندي، في قدري بلا لون، يطال حتى الأولاد والصغار في هذا الزمن والوقت الضائع والفراغ الذي يحيط بهم حيث يجلسون لساعات طوال أمام شاشة التلفاز، ويد ناعمة (تطبطب) عليهم وتنسل أفكارها الغريبة إلى عقولهم وتسلب إرادتهم في عقر دارهم، و24 على 24 يترقبون بإكراه مسلسلات مدبلجة بمئات الحلقات فيها صور مزركشة لحياة أناس بعيدين شكل بلا مضمون، ليس من دراما ولا قصة ولا تشويق لكن باللهجة الشامية المحببة والتي تدخل الفؤاد دون استئذان، وأغلبها يفتح الستائر عن مشهد يتصيد خيالهم البريء ويرمي الشباك بالمحظورات في إيقاع موسيقي وأغانٍ جميلة تجذب الأذن قبل العين، وإن اعترضتهم بطلب ورجاء توسلوا إليك التأجيل لحين أن ينتهي المسلسل لكن متى وأين؟

× السيدة رجاء: أصبح الأولاد مدمنين على المسلسلات الهندية كما كنا نحن على المسلسلات التركية، وجميعها غريبة عنا وليس فيها شيء من واقعنا، لكنهم ينجذبون إلى البطلين العاشقين المتجملين بالشكل واللون والإكسسوار وتغريهم في فراغهم هذه الحكايات، ولا أمانعهم لأن النت مفتوح على مصراعيه أمامهم ليخرجوا (إن لم يكن من الباب من الشباك) إلى العالم الذي لا نعرف كل أهله، من أمه ومن حبيبته ومن أخته؟ فوضى تحيطهم ونحن مشغولون عنهم بهموم الحياة ومنصرفون عنهم للبحث عن العيش، حتى أني عندما أتواجد معهم في البيت لا أمانع أن أشاهد معهم هذه المسلسلات، وأراها تسلية فقط لكني أراقب في الممثلات اللباس والإكسسوار والموضة اليوم لعلي أنتقي منها بعض الأفكار والأشياء، لكن ما أستغرب أن بعض الرجال لا ينفضون يشبهون زوجاتهم بلميس وغيرها من البطلات حتى سمعنا أن بعضهم طلق وتزوج بأخرى تشبهت بهن، كما أن بعضهن سمت ولدها باسم نجمها البطل  ولو كان غريباً.

× السيد أيهم، مهندس أشار إلى أنه يتابع المسلسلات التركية والهندية مع زوجته المولعة بها وقد وضعت الولدين بجانبها وأكد بقوله: ولطالما تنتهي الحلقة بجملتها المأثورة (نيالها على هالرجال ما أحلاه ) ولما أرد عليها بأنه خيال ولا شيء من الواقع فيه تقول (غيران).

هذه المسلسلات التي اجتاحت بيوتنا فيها فرط رومانسية وبلا حدود ولا أخلاق، فمثلاً البطلة الجميلة متزوجة وتعشق رجلاً  آخر وتنجر وراءه بالنزوات والخيبات والمؤامرات مع تأييد تام من المشاهدين رجالاً ونساء وشباناً وفتيات وحتى الصغيرات بأنه من حقهن الحب والحياة وهذا الزمن للحريات، كما أن الزوجة عندنا تجلس طوال النهار بالبيت ودائماً تشعر بالوحدة وتشكو من الفقر ليس المادي فقط بل العاطفي أيضاً، ولا تدرك أبداً ولا تفكر بأنها الوحيدة في حياتنا ولن يكون لغيرها مكان عندنا كما تشغلنا طوال الوقت واليوم وكل هذه السنين معها ومن وقت زواجنا بتأمين العيش الكريم لها ولأولادها وليس لنا مجال ولا جزء من الوقت للتفكير بهذه الأمور، ويكفينا ما نحمل من أثقال وهموم في حياتنا ولا نريد المزيد فقد تأتينا الجلطة إن حلمنا وأكثرنا بالآمال.

× السيدة فيروز، معلمة: أشارت أن كل شيء ممنوع مرغوب، وهذه المسلسلات التي نمنع أولادنا عنها تجذبهم ولهذا أحذفها وأصر عليهم ببرامج الأطفال، خاصة بعد أن رأيت من طفلتي (14) شغفها بمتابعة المسلسلات التركية والهندية على (زي ألوان) فهي تتبعها من مسلسل (الحب الأعمى مع نهال وأمير) إلى (مشوار عمري وكالفانا، قدري بلا لون مع غانغا) لقد انشغلت عنها بمهام البيت والوظيفة إلى أن جاءت هذه العطلة وجلست في البيت، ولما رأيت حالها وما رأيت بت أتقصد رفض هذه المسلسلات التافهة التي ليس فيها غير المؤامرات ودسائس ومصائد النساء الغيورات غير الصالحات، وأردعها بأن الحب الذي  يدعونه أعمى ولا سبيل أمامه غير الشر، أما الحب، عندنا فيه كل خير وربيع دائم على الطرفين ومن حولهم ولا داعي للكذب والهراء، وبت أجادلها وأرفض طلبها بمشاهدة هذه المسلسلات وأكاد أهزمها بعد أن شغلتها بقراءة القصص والحب العذري فيها بأحلى الصور والقريبة من واقعنا وهويتنا، وقد لاقيت فيها الرواج عندها والاستحسان، لولا الفراغ  فهو ما يدفع بأولادنا للبحث عن المفقود بدون رادع ولا خوف ولم يعد عندهم مستور على شاشات الموبايلات والكل مكشوف بتسليط ضوء الكاميرات على كل حركة وهمسة  ليبثه مباشرة في الفضاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فما بالك  بالمسلسلات ونجومها التي تسطع كل حين في سماء المحطات الفضائية التي نستضيفهم في بيوتنا طوال الوقت باهتمام.

× هبة لا يتجاوز عمرها السبع عشرة سنة أكدت أنها إذا ما أخفقت في متابعة مسلسلها (مشوار عمري) أو منعها التقنين الكهربائي فإنها تتابعه على النت في نفس الساعة والوقت ولا شيء يشغلها عنه مع أن الحلقة نفسها تعرض في اليوم أكثر من مرة، فهي تحب المسلسلات الرومانسية وترى عندهم الحرية والجرأة كما أن أغانيهم جميلة وتعجبها الكلمات والموسيقى فهي لطيفة وخفيفة الوتيرة في هذا الزمن الموجع، لكن أمها تنهرها كل حين مع أنها لم تكن موجودة في البيت سابقاً وكانت مشغولة عنها بعملها خارج البيت وصديقاتها واليوم تجلس بجانبها وتغير المحطة بحسب وجهتها ظناً منها أنها تحمينا من الغرباء، ونحن فتيات نرسم لفتيان أحلامنا أن يكونوا كمثل أبطال المسلسلات ولا عيب في ذلك، كما أننا نستفيد من تجاربهم ومن فنونهم في اللباس والإكسسوار والديكور الجميل، ويمكن أن نجاريهم ونكون أفضل منهم ولا أجد خسارة في ذلك لكني لا أعلم سبباَ لرفض أمي وهي التي تعلم أنها إن منعتني عن التلفاز فهناك الموبايل وغيره من التقنيات التي تبث كل ما في العالم مباشرة وبلا تأخير أو تقنين. 

هدى سلوم- معينة جرعة

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار