ومن الكذب ما قتل!

الوحدة : 20-4-2020

 اعتاد الكذب ونشأ وهو لا يعرف أن الصدق فضيلة، وأن الكذب رذيلة كان مبدؤه في الحياة (أنا ومن بعدي الطوفان).

 وقد بلغ به الكذب مبلغاً غريباً حتى إنه كان إذا سأله شخص ما في الشارع عن الساعة: فإما أن يجيبه بوقت غير الذي يشير إليه عقرب الساعة وإما أن يدعي كذباً أن ساعته متوقفة… عاش حياته ينتج ويعبئ ويصدر الأكاذيب حتى شاع ذلك عنه.

 وبالطبع ذهب ليخطب فتاة ليتزوجها وكان قد كذب عليها فلم يخبرها عن اسمه ومكان سكنه ووظيفته ثم كذب على والدها مدعياً إنه ثري ولديه أموال ولكن شخصاً جائراً افترى عليه فجمدت المحكمة أمواله وهو في سبيله لاسترداد ذلك لو أن هناك قانون ينصفه!

 ونجح في أن تزوج تلك الفتاة رغماً عن رغبة والدها، واكتشفت هي بعد ذلك أساليبه ولكنها رضيت بالقسمة والنصيب.

 ولما رزق بأولاد أخذ يكذب عليهم فنشؤوا وهم لا يحترمونه ولا يقيمون له وزناً وكان لا يعبأ بما يقوله الناس عنه وعن ألاعيبه وحيله وخدعه التي لكثرتها كانت حديث المجالس يتندر بها الناس في سمرهم وسهرهم وكان هو فاكهة أو إن أردتم الحق (مسخرة) أنى مجلس يكون فيه لأن أساليبه في حبك الأكاذيب وترتيب المقالب الخادعة تصلح لأن تتحول إلى مسلسلات في عصر الفضائيات لأي منتج يبحث عن سيناريوهات شديدة الإتقان كالتي كان هو يلفقها بدقة متناهية.

 وقد وصلت قصصه وأكاذيبه إلى مسامع الجميع فكانوا كثيراً ما يطلبونه عندما يكون عندهم ضيوف مهمون ليضحك الجالسين ويقبض مبلغاً من المال يضعه في يده صاحب (العزيمة) وكأنه أحد مقدمي البرامج الترفيهية فينال حقه بعد انتهاء وصلته الممتعة وظل على هذه الحال ومع تقدمه في السن وما أدراك ما معنى التقدم في السن خاصة مع شخص كان معتاداً أن (يضرب بالخمس) في موائد الكبار التي عادة ما تكون على حجم أصحابها أي ( كبار الموائد) فأدت تلك الأكلات الدسمة المزمنة إلى رفع الكوليسترول والضغط المشهورة لأمراض التقدم في السن فأشفق عليه أحد  أولئك الكبار وأمر بعلاجه على نفقته الخاصة في بلد أوروبي ولم يكذّب صاحبنا خبراً فحزم حقائبه وطلب من أكبر أبنائه مرافقته في رحلة العلاج بشرط أن يترك له المبلغ المخصص للمرافق وكان الابن ذا تربية امرأة فاضلة هي والدته فقال لوالده سأعطيك أيضاً من جيبي مثل ما سيصرف لي ولك والمهم هو صحتك يا أبي (سامحك الله).

 وسافرا معاً ودخلا معاً حسب الموعد إلى المستشفى وكالعادة طلب الطبيب من أن يجري بعض الفحوصات ولأنه اعتاد الكذب فقد طلب من الابن مساعدته في المختبر بأن يقوم بتقديم المطلوب من دم وخلافه للفحوصات وفي أثناء الفحص تبين أن الابن فيه مرض من الأمراض وتم وصف العلاج ليكون للابن وصرف الدواء على  هذا الأساس ولكن الذي تناول الدواء بعد أن ذلك الأب الذي مارس هوايته لآخر مرة في الكذب فكذب حتى في التحاليل ولما أخذ جرعة الدواء المرخصة خرّ مغشياً عليه فقد كانت لديه حساسية مفرطة ضد ذلك المستحضر وفارق الحياة وعاد في صندوق.

 اعترف الابن بالقصة التي ظلت حديث المجالس لسنوات وكيف أنه قام بكل الفحوصات عن والده الذي أخذ الوصفة القاتلة ومات (ومن الكذب ما قتل).

 

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار