خامس الفصول

الوحدة : 20-4-2020

 مقابل المقهى الذي أفكّك فيه أوقاتي المشدودة، شابٌ صغيرٌ وقف أمام باب منزله الخارجيّ، يتأمّل ملابسه ويمسح شعره كلّما قام بتوزيع أنظاره هنا وهناك.

 تكرّرت المحاولة بعدد الدقائق التي وقفها ذلك الشاب، إلى أن جاء من هو أكبر منه ليفعل ذات الشيء وبوقارٍ أكبر، فيما ظهرت فتاةٌ من خلف الجميع مع بقايا نومها، تهمّ بفتح النافذة، فتتداخل ملابسها والستائر، وكأنها تستهد للطيران مع الذي تقرأ، بإصرار متسابقٍ يجتهد الوصول لربيعٍ قادمٍ.

 وقبل أن أغرق بفضول يكاد يختفي، سألت ذلك الرجل سؤالاً يمّهد لي ما أريد التأكّد منه؟!

 فهمت بعدها أنه في هذا الدار منذ عرف عقارب الساعة، والشّاب الصغير نجله الوحيد.

 عدت لمكان جلوسي في المقهى أرتّب مراحل عمري في مشهدٍ واحدٍ، فوجدت في نفسي ذلك الشاب وهذا الرجل، فباب كلّ منزل انطلاقةٌ نقدّم فيها خطوات الشتاء، أما النافذة فهي لتلقّي الصيف، ومن الواضح أنّ العمر بينهما مثل كتلة هواء عابرة، فنمضي إلى خريف الأصفر والتساقط.

 أمّا نوافذ المقهى فهي وحدها أشبه ببحرٍ ذابت سفنه في الأسفار، والجالسون ما هم إلا بقايا انتظار وبقايا حكايات.

 والسعادة أن نخرج دوماً إلى الأماكن البعيدة عن النوافذ والأبواب، فنستظل بصنوبرةٍ ونشتم فيها رائحة الأرض بحذرٍ يشعرنا وأننا نلتصق بالسماء، مما يتيح لنا أن نغرف أحلاماً نستودعها في بيوتنا، وتكون النوافذ والأبواب واحاتٍ من نوع آخر، وكأننا في خامس الفصول، و…ربّما لتعرف حرف الحاء من كلمة حياةٍ؟!!

سمير عوض

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار