طموحات الشباب وسط ملاعب الحياة كرة تائهة بلا هدف

الوحدة : 10-4-2020

أربعون عاماً وربما أكثر استمرت مباراة الشباب لظروف الحياة القاسية والتي أنهكت ضرباتها المعيشية الجزائية كل قواهم المعنوية والنفسية وحتى الفكرية لتشوط بهم في كل الاتجاهات وسط ملاعبها إلا أن التحدي طال والعمر فات والفرص انتهت لتكون النتيجة النهائية (طموحات شباب وسط ملاعب الحياة كرة تائهة بلا هدف).

ورغم كل النعوت والصفات الجارحة التي وجهت للفتاة أو المرأة بشكل عام عند وقوعها في فخ اجتماعي أو ظرف ما دون مراعاة الأسباب أو مراعاة وضعها كونها تعيش وسط مجتمع شرقي فقد كان للشاب في الآونة الأخيرة نصيب من هذه النعوت والتي حصرتها أغلب المجتمعات الشرقية  بالفتاة آلا وهي ظاهرة العنوسة أو العزوف عن الزواج، فلم تعد ظاهرة العنوسة مقتصرة على الفتاة لعدم زواجها و التي قيل عنها (فاتها قطار الزواج)، إنما تفشت بين عدد كبير من الشباب الذين هم  بأنفسهم من رفضوا ركوب القطار لعدم توفر الامكانيات المادية والمعيشية المناسبة لتأمين متطلبات الزواج أو عدم حصولهم على فرص عمل تؤهلهم وتمكنهم من الاستقرار فآثروا البقاء  بلا زواج بعد رحيل العمر الذي رافق رحيل القطار  دون عودة.

عدد من الشباب التقيناهم وقد حاولوا التعبير عن معاناتهم كل بطريقته إلا أن الحاصل المشترك بينهم مواجهة طويلة مع غلاء المعيشة وعدم توفر فرص عمل مناسبة وبالتالي عدم القدرة على الزواج والذي أوضح لنا تشابه معاناتهم حكايات دخان سجائرهم التي لاحت إلى الأفق في كل الاتجاهات…

أحمد البالغ من العمر ٣٩ عاماً بعد أن شاطت به الظروف القاسية يميناً ويساراً دون الحصول أو الوصول لأي هدف يقول: منذ صغري وأنا أعشق دراسة الهندسة المدنية ورغم ظروفنا السيئة لم أيأس وصممت على تحقيق حلمي وحلم أمي التي كرست معظم وقتها لي ولإخوتي بعد وفاة والدي الذي لا أتذكر شكله إلا كصورة خيالية وبعد وصولي إلى المرحلة الإعدادية قررت العمل إلى جانب متابعة دراستي

أتذكر كيف كانت أمي تحضر لي سندويشات الفلافل لأذهب وأبتاعها في الطرقات حيث مرور الحافلات وأماكن الازدحام في الأسواق وكم كنت أشعر بالفرح عند تحصيلي مبلغاً جيداً مقابل إنفاق كمية السندويشات، واستمريت على هذا المنوال (دراسة وعمل) معاً لتأمين لقمة العيش لي ولعائلتي حتى حصولي على الشهادة الثانوية والتي لم أوفق  فيها كما تمنيت فعلاماتي لم تؤهلني تسجيل الفرع الذي أرغب به وهو الهندسة المدنية وكانت الصدمة الأولى التي انتهت عندها طموحاتي فقررت التوقف عن متابعة الدراسة والتفرع للعمل حاولت كثيراً الحصول على وظيفة في القطاع العام لم أحظ بذلك وبقيت أعمل في القطاع الخاص وكم عانيت من طول ساعات العمل والأجر القليل إضافة إلى الإرهاق والتعب الجسدي وبقيت اتنقل من مكان عمل لآخر حتى هذا الحين ولم أستطع الزواج بسبب أوضاعنا المادية السيئة وعدم وجود عمل دائم أو ثابت وها هي الحياة  مازالت (تشوط) بي حتى الآن  كالكرة ولكن لم يعد لدي أي هدف.

بدأ علاء البالغ  ٤٥ من العمر بضحكة صاخبة تلتها  تنهيدات ونظرات هاربة في كل الاتجاهات عندما سألناه (لماذا لم تتزوج حتى الآن؟) ربما ملايين الأجوبة لدى علاء والتي اختصرها بتلك الضحكة ليجيبنا قائلاً: أتزوح من وكيف ولماذا؟

لا أملك منزلاً خاصاً لكي أتزوج ولا حتى وظيفة أو عملاً ثابتاً وعندما سألناه عن سبب إحباطه وتشاؤمه من الحياة أضاف قائلاً: لم يبق من العمر إلا القليل ما عدت أسعى من أجل شيء، لا أنكر بأنني سابقاً كنت أتمنى الزواج والاستقرار مع الفتاة التي أحببتها ولكن للأسف الفتاة تزوجت غيري لأني لم أتمكن من التقدم لها أو الزواج منها بسبب ظروفي المادية السيئة رغم أني حاولت كثيراً البحث عن عمل مناسب وتقدمت لمسابقات توظيف  كثيرة ولم أوفق  بالحصول على وظيفة في القطاع العام وأنت تعلمين أن فرص القطاع الخاص غير مضمونة  فصاحب العمل بأي لحظة يمكن أن يستغن عن موظفيه حسب مصلحته الشخصية وهذا أمر مخيف لمن يريد الزواج أو الاستقرار والخوف الكبير عند إنجاب أطفال وعدم القدرة على تلبية متطلباتهم، المهم سأكمل لك قصتي مع الفتاة التي أحببتها والتي قررت الانسحاب من حياتي والزواج  بشخص آخر ذي أوضاع وامكانيات مادية  ممتازة ورغم حزني الشديد إلا أنني أحترم خيارها كوني لم أستطع ولن أستطع تحقيق متطلباتها كبقية الفتيات الراغبات بالاستقرار والزواج من بعد ذلك كرهت النساء وكرهت الزواج علماً أن قساوة الظروف  هي وراء اعتزالي الزواج بشكل نهائي وليس الفتاة.

أمر طبيعي أن تكون  البطالة وسوء الأحوال المعيشية والمادية هي أولى الأسباب المؤدية لعزوف الشباب عن الزواج إضافة لأسباب أخرى متعددة وحول هذه الظاهرة الاجتماعية ومسبباتها ونتائجها وكيفية علاجها أو الحد من انتشارها

 رندة اسماعيل دكتوراه في قسم علم الاجتماع جامعة تشرين تقول: إن أغلب الشباب يعيشون حالة من الإحباط نتيجة الحرب الإرهابية التي تعرضت لها البلاد وما نتج عنها من سوء الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية فقد شردت الحرب الغاشمة عائلات من بيوتها كما توقفت أعمال الشباب الخاصة كالمهن والحرف وغيرها  ومع غلاء المعيشة التي طالت كل شيء ارتفعت أسعار المنازل والشقق السكنية إذ أصبح امتلاك منزل صغير حلماً صعب المنال، إضافة لذلك أنه ليس من السهل حصول الشباب على وظيفة  في القطاع العام تمكنهم من بناء أسرة كما أن العمل ضمن مجالات القطاع الخاص يتطلب خبرة ومهارات عالية تفوق الشهادات الجامعية التي حصل عليها الشباب ناهيك عن المحسوبيات (الواسطة) والتي لعبت دوراً بالغاً في الحصول على الوظيفة وهذا بدوره أدى الى فقدان الأمل لدى شريحة كبيرة من الشباب بالاستقرار في ظل هذه الظروف الصعبة فبات موضوع الزواج عند الكثير منهم أمراً مؤجلاً وربما مستبعداً.

وتضيف الدكتورة رندة هناك أسباب أخرى لعزوف الشباب عن الزواج متعلقة بغلاء المهور والمرتبطة بالعادات والتقاليد والمتطلبات والشروط التي يقيد بها أهل الفتاة الشاب عند التقدم للزواج من ابنتهم كما أن توسع دائرة التعارف الناجم عن التطور التكنولوجي وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت المجال لدى الشباب لتفريغ شحناتهم العاطفية أو البحث عن فرصة عمل للسفر لتحسين ظروفهم كل من شأنه أدى إلى عزوفهم عن الزواج أو ربما تأجيله لحين تأسيس ركيزة مادية تمكنهم من الاستقرار لاحقاً.

وعن الحلول والمقترحات لتجاوز هذا المرض الاجتماعي قبل تفشيه ترى الدكتورة اسماعيل أن وزارة الشؤون الاجتماعية كمؤسسة حكومية معنية بشؤون الأفراد المجتمعية يتوجب عليها البحث عن البدائل لتسهيل الزواج للمقبلين عليه من خلال  تأمين فرص عمل مناسبة و تسهيل عملية تسليم المساكن للشباب المسجلين عليها منذ سنوات وفق طريقة أمثل وتوفير منازل سكن شبابية بأسعار مقبولة ومرضية  إضافة للقيام بحملات تشجيع الشباب على الزواج من خلال إنشاء صناديق دعم الزواج واتباع  ألية  الأعراس الجماعية.

وتؤكد  الدكتورة رندة على أهمية التعاون والتنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والوزارات الأخرى لفتح المجال أمام الشباب للعمل إضافة إلى الزام القطاع الخاص بتشغيل الشباب بنسب محدودة من خلال تشجيع رجال الأعمال على تنفيذ مشاريع استثمارية تمكن الشباب من العمل وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي العام وهذا بدوره وسيلة لمحاربة البطالة التي تؤدي لعزوف الشباب عن الزواج.

أخيراً، إن الوصول الى النجاح أو الهدف في  أي قضية تشغل فكر الفرد أمر يحتاج الى تكتيك ممنهج يشمل الجانبين الفكري والعملي فوضع النظريات والقواعد  لتسلق الجبال لا يكفي  اذ لابد من توفر معدات ووسائل تعين من راودته تلك الرغبة أو الفكرة لبلوغ الهدف وهو الوصول إلى القمة وهذا حال شباب مجتمعنا الذين تجول في أذهانهم ملايين الأفكار والتي يرغبون بتحقيقها وبلوغها إذ أن الطاقات الفكرية  مهمة جداً ولكن هناك مدعمات ضرورية لتفعيل تلك الطاقات وبالتالي دفع الشباب  نحو تحقيق أهدافهم وهنا يكمن دور الأسرة والمجتمع والجهات المعنية في تحفيز طاقات وقدرات الشباب لا  نظرياً فقط بل بشكل عملي فعال وملموس على أرض الواقع بما يمكنهم من الاستمرارية دون توقف وبالتالي التغلب على الصعوبات وبلوغ القمم.

جراح عدره

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار